الرحالة المغاربة يوثقون سيرهم إلى الحجاز ويتحدثون عن العادات المكية الاجتماعية
"الرواق المكي"
03 شوال 1436 - 20 يوليو 2015
حسام عبدالعزيز مكاوي - باحث في تاريخ مكة المكرمة
عرفت الدكتورة عواطف نواب في كتابها "الرحلات في المغرب الأقصى مصدر من مصادر تاريخ الحجاز في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين دراسة تحليلية نقدية مقارنة" والصادر عن دارة الملك عبدالعزيز سنة 2008 بأشهر الرحلات المغربية وأصحابها، وتطرقت للحديث عن منهج الكتابة التاريخية عند الرحالة المغاربة، والأحوال السياسية في الحجاز من خلال كتب الرحلات المغربية، ويعد هذا الجزء مرجعا مهما للمهتمين بتاريخ الحجاز السياسي، وبعض القوانين التي أقرتها الدولة العثمانية في أنظمة الحكم بالنسبة للحجاز، والفرمانات الواصلة بسبب ذلك، إضافة إلى حديثها عن بعض الوظائف والمناصب المهمة في مكة، والوضع الأمني في دروب الحجيج، ومناطق نفوذ العثمانيين والأشراف في طرق الحج، وتذبذب الوضع الأمني في الحجاز من فترة لأخرى، فبينما يتحدث أحد الرحالة عن استقرار الوضع الأمني، يتحدث آخر عن قطع الطريق، وظهور الفتن في الطريق أو المدن الحجازية، ومعاناة الحجاج.
وتحدثت المؤلفة في أحد فصولها عن النشاط البشري من خلال كتب الرحالة، وتناولت طرق التجارة البرية والبحرية التي أشار إليها الرحالة المغاربة، وأهم محطاتها وموانيها، والتجارة الداخلية والخارجية للحجاز، والأسواق والنقود وأهم السلع، وتنوع التجارة في مكة وكثرتها، كما أشارت إلى التبادل التجاري، فحين يحمل الحجاج معهم البضائع لبيعها في مكة، يحملون إلى بلادهم ما يجدونه من بضائع غيرهم فيها، أما ما يحرصون على شرائه من بضائع تجار مكة نجد العطر والتمر والأقمشة، وما يلزم المسافر كالأعلاف لمواشيهم.
وتناولت في كتابتها الحياة المكية، وأهم عناصر مجتمعها، إضافة إلى استخلاصها كثيرا من العادات التي ذكرها هؤلاء الرحالة، ومنها عاداتهم في رمضان من حرص على أداء العمرة، ومشاركة الأهالي في إضاءة الحرم في ليالي رمضان، حيث يضع الموسرون منهم مصابيح تضاء كل ليلة، خصوصا في ليلة ختم القرآن، ويملؤون دوارق من ماء زمزم وتبريدها للصائمين، كما صورت احتفالات عيد رمضان ومن ذلك ما نقلته عن الرحالة أبو سالم عبدالله العياشي قوله: من جملة عاداتهم بعد انقضاء صلاة العيد التوجه إلى منازلهم، ومن كان له صديق أو قريب، بادر بالذهاب للسلام عليه، إذ لا يكتفون بمشاهدة بعضهم في الحرم، بل لا بد من الذهاب إلى منزله.
ونقلت نواب من خلال كتب الرحلات المغربية صورا متعددة لأشهر الحج، وحال الحجاج حين أداء المناسك، واحتفالات المحامل، حيث تقول "تخصص الليلة الثانية في منى بالمبالغة في إشعال المصابيح، والتفنن في طريقة إضاءتها على هيئة صور أشجار وخيام ودوائر وشبابيك وسباع، والمغالاة في إطلاق البنادق والمدافع في الهواء، مخلفة أشكالا بديعة قبل انطفائها".
كما أشارت إلى مساهمة القادمين للحجاز في مد المكتبات الموجودة في الحرمين بالكتب والمؤلفات الخاصة بهم، وجعلها من ضمن الكتب الموقوفة.
كما أفردت بابا خاصا لتراجم العلماء في الحجاز ممن التقى بهم الرحالة المغاربة، وأخذوا عنهم، مثل زين العابدين الطبري، أحمد بن علي باقشير، أحمد بن تاج الدين المالكي، حسن العجيمي، وغيرهم.
وخصصت فصلا للحديث عن المشاهد العمرانية والآثار في الحجاز من خلال كتب الرحلات المغربية، وركزت في ذلك على وصف عمارة الكعبة والحرمين الشريفين، بما فيهما من أبواب وقباب ومنابر وأروقة وسوارٍ ومآذن، وما إلى ذلك، مع إشارة المؤلفة إلى ما حصل في هذه المعالم من تجديد، ومقارنة النصوص التي أوردها الرحالة، تبعا لرؤيتهم أو زمن وصولهم إلى مكة.
ثم تطرقت إلى وصف الرحالة للمساجد والمشاهد التاريخية، والآبار والبرك.
واهتمت نواب من ذلك على وجه الخصوص بالمساجد التاريخية، وقارنت بين ما نقله الرحالة وما كتبه المؤرخون المكيون، منهم أبوالوليد محمد الأزرقي الغساني، وتقي الدين محمد الفاسي وغيرهما.
makkawi@makkahnp.com