معايدات أهل مكة
أهل مكة قديما يقسمون أيام العيد على عدد الأحياء
أهل مكة قديما يقسمون أيام العيد على عدد الأحياء
"الرواق المكي"
29 رمضان 1436 - 17 يوليو 2015
حسام عبدالعزيز مكاوي - باحث في تاريخ مكة المكرمة
اعتاد أهل مكة قديما تقسيم أيام العيد على عدد الأحياء بحيث يحتفلون كل يوم بحي يتبادلون في هذا الاحتفال التهاني والتبركات.
يقول في ذلك أبو عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي في كتابه أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه «كان أهل مكة يلعبون الكرك في كل عيد، وكان لكل حارة من حارات مكة كرك يعرف بهم، يجتمعون به ويلعبون في حارة، ويذهب الناس فينظرون إليه، في تلك المواضع إلى الثنية، وإلى قعيقعان، وإلى أجيادين وإلى فاضح، وإلى المعلاة، وإلى المسفلة، فكان ذلك من لعبهم، يلعبون به في كل عيد».
ويشير هذا النص الذي أورده الفاكهي في القرن الثالث الهجري، بوضوح إلى عادة مكية، استمرت أكثر من اثني عشر قرنا، ولم تنته إلا بنهاية القرن الرابع عشر الهجري، نتيجة التمدد العمراني، وزيادة عدد الأحياء والسكان في مكة، وهي تقسيم أيام الاحتفال بعيد الفطر المبارك حسب عدد الحواري المكية.
ويقول أيوب صبري في كتابه مرآة الحرمين عن ذلك «ومن العادات القديمة المرعية، أن أهل مكة المكرمة يقسمون أيام عيد الفطر، بحيث يكون الاحتفال به في أحد الأحياء، إذ يعلن أصحاب الشأن أن العيد اليوم في حي فلان، ويستقبل أعيان وعظماء هذا الحي زوارهم في منازلهم، وفي هذا اليوم يتفق الأعيان والعظماء والأغنياء فيما بينهم، ويحددون الشخص الذي سيستقبل الزوار للمعايدة، لذا يسرع سكان الأحياء الأخرى، إلى الحي الذي سيحتفل فيه بالعيد»، والواقع أنه وحسب الأعراف السائدة، كانت المعايدة في اليوم الأول لأمير مكة، بالنسبة لأصحاب المناصب والمسؤولين، وكبار أهل البلد، أما بالنسبة لعامة الناس فيتوجهون إلى منزل كبير الأسرة، لتناول طعام الإفطار، حيث تعتبر وجبة الإفطار هي الوجبة الأهم في ذلك اليوم.
وجرى العرف في مكة أن اليوم الأول من أيام العيد يخصصه أعيانها ووجهاؤها للسلام على أمير المنطقة، أما عامة الناس فيخصصونه للسلام على الأهل والأقارب، ويجتمعون في بيت كبير الأسرة لتناول طعام الإفطار.
كما يستقبل أصحاب بعض البيوت الملاصقة للحرم المهنئين بالعيد في اليوم الأول أيضا، حيث يزورهم أصحاب العلاقة بهم بعد صلاة العيد مباشرة، أما اليوم الثاني فيخصص للحواري، حيث تبدأ المعايدة من بعد صلاة العصر، ويخصص لكل مجموعة من الحارات يوم، حيث تمتد الاحتفالات مدة أربعة أو خمسة أيام، وحسبما ذكره محمد عمر رفيع في كتابه مكة في القرن الرابع عشر الهجري «يكون اليوم الثاني من أيام العيد لزيارة أهل محلة جياد والقشاشية وسوق الليل والقرارة، وثالث يوم لزيارة الشامية والنقا والسليمانية وشعب عامر، ورابع يوم لزيارة الشبيكة وحارة الباب والمسفلة، ثم جرول والمعابدة وما إليهم فإنهم في أطراف البلدة».
وهذا التنظيم يختلف من سنة لأخرى، ويتم الإعلان عن ذلك من قبل شيوخ وعمد الحارات، يضاف إلى ذلك أن بعض كبار أهل البلد كالخطباء والأئمة ونائب الحرم والمفتين يستقبلون زوارهم في بيوتهم، كما كان العرف حتى أوائل القرن الرابع عشر.
ومما يميز العيد أيضا أن المدافع تطلق في أوقات صلاة الفجر والظهر والعصر في الأيام الثلاثة الأولى من أيام العيد.
وتعد كل حارة مكانا مناسبا لاستقبال المعايدين يعرف (بالبرزة)، وتتأنق كل حارة في إظهار زينتها بالفرش والإضاءة والأطعمة والمشروبات، حيث يمتد الاحتفال إلى ما بعد صلاة العشاء، وترشح مجموعة من أهلها لاستقبال القادمين من الحارات الأخرى من بعد صلاة العصر، وتقديم واجبات الضيافة لهم.