• ×

الميرداد.. أسرة علمية مكية تولت مشيخة الخطابة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الميرداد.. أسرة علمية تولت مشيخة الخطابة

28 ذو القعدة 1435 - 24 سبتمبر 2014

حسام مكاوي - مكة المكرمة

لا يمكن الحديث عن التاريخ العلمي والثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي لمكة المكرمة في القرن الثالث عشر أو الرابع عشر، دون أن نذكر خلال حديثنا أحد أفراد أسرة الميرداد، أو الميرادة كما كان يطلق عليهم.

فقد تألقت هذه الأسرة في التاريخ المكي من أواخر القرن الثاني عشر وأشتد هذا التألق في القرن الثالث عشر بطوله، فظهر منهم القضاة والخطباء والأئمة والمحدثون والمفتون والرحالة.
وقد تجاوز عدد العلماء الذين أنجبتهم هذه الأسرة خلال القرنين الماضيين الخمسين، منهم من وصلتنا أخبارهم وتراجمهم، ومنهم من وصلتنا أسماؤهم وفقدت تراجمهم، لذلك يمكن القول إن هذه الأسرة تعد من الأسر العلمية الكبيرة في التاريخ المكي مثلهم في ذلك مثل أسرة الطبري أو أسرة الفهود أو آل النويري، وربما فاقتهم في العدد.


الملا محمد

وأول من ظهر على الساحة العلمية من هذه الأسرة الملا محمد ميرداد، والذي التقى به صاحب الرحلة الهندية رفيع الدين المراد آبادي في مكة المكرمة في 1201هـ، وقال عنه: ملا ميرداد المكي المولد، ماهر في فن القراءة، فريد زمانه، ووحيد عصره، يتمتع بحس الخلق وطيب المعاملة، وهو بحر في علم الحديث وغيره من العلوم.
ويبدو أن من ذكره صاحب الرحلة الهندية، هو محمد ميرداد الجد الجامع لهذه الأسرة، والذي سيأتي الحديث لاحقا عن ذريته من العلماء في مكة المكرمة.


مشيخة الخطابة

ولعل أبرز ما يميز أسرة الميرداد، هو احتفاظها بمنصب مشيخة الخطابة في الحرم المكي مدة طويلة تمتد من 1205 وحتى 1343هـ، وإن كان يتخلل ذلك بعض من تولاها من خارج الأسرة، إلا أن ذلك في مجمله لا يتجاوز العشر سنوات، وقد تولى هذا المنصب منهم على التوالي: عبدالرحمن بن محمد صالح بن محمد ميرداد الحنفي، والذي كان إماما عند الشريف سرور، وهو أول من تولى المشيخة، وظل فيها حتى وفاته 1207هـ.



ثم تولاها من بعده الشيخ عبدالله، ومكث فيها أكثر من خمسين عاما.
ثم تولاها من بعده ابنه مصطفى بن عبدالله ميرداد، وظل فيها نحو سبع سنوات، وتوفي 1264هـ.
ثم تولاها الشيخ عبدالله بن محمد صالح بن سليمان بن محمد صالح بن محمد ميرداد، وظل فيها حتى وفاته 1271هـ.
ثم تولاها من بعده أخوه عبدالعزيز بن محمد صالح ميرداد، وظل فيها قريبا من خمس سنوات.
ثم آلت من بعده للشيخ سليمان بن عبدالمعطي ميرداد، وظل فيها حتى وفاته 1293هـ.
ثم انتقلت بوفاته للشيخ أحمد ميرداد الشهير بأبوالخير، وظل فيها حتى 1299هـ، حيث طلب الاستعفاء من المشيخة، ثم عادت إليه المشيخة مرة أخرى.
ثم انتقلت بوفاته إلى ابنه عبدالله بن أحمد أبو الخير، والذي ظل بها حتى وفاته 1343.ولم يقتصر دور الخطباء منهم على الخطابة فقط، بل كان منهم من يتولى إلى جانب مشيخة الخطباء، القضاء والتدريس في الحلقات العلمية في الحرم، فمثلا نجد أن عبدالله بن عبدالرحمن ميرداد، كان بارعا في علم الفرائض، وعبدالله بن محمد صالح ميرداد كان ماهرا في علم الفرائض أيضا، إضافة إلى تدريسه في حلقات الحرم، وكان أمينا للفتوى عند مفتي الأحناف في مكة السيد عبدالله الميرغني، وعرض عليه منصب مفتي مكة إلا أنه أمتنع من قبوله تورعا، وكان ذا خط حسن فكتب بيده كثيرا من الكتب الكبار، إلى جانب اهتمامه بخدمة الأهالي في البلد الحرام.وكان عبدالعزيز بن محمد صالح ميرداد، خطاطا ينسخ الكتب الكبار لحسن خطه وسرعته في الكتابة، ومنهم الشيخ عبدالله بن محمد صالح ميرداد، الذي كان مدرسا في المسجد الحرام وله حلقة كبيرة، وتلقى عنه عدد من الطلبة كالشيخ عبدالستار الدهلوي المؤرخ، والشيخ عبدالقادر خوقير، والمؤرخ أحمد أمين بيت المال، والشيخ بكر كمال قاضي الطائف.

تاريخ ومؤلفات

وممن اشتهر بالعلم من أسرة الميرداد، إضافة إلى توليه مشيخة الخطباء الشيخ أحمد بن عبد الله ميرداد، الشهير بـ»أبوالخير»، ولقبه أبوالخير هو الذي عرف به في مكة، يقول عنه المؤرخ عبدالستار الدهلوي : ولد بمكة في 1259هـ، وقرأ القرآن بالقراءات السبع وله اليد الطولى في جميع العلوم.
ومنهم كذلك الشيخ عبدالله بن أحمد أبوالخير ميرداد، المؤرخ، صاحب كتاب: نشر النور والزهر في تراجم أفاضل أهل مكة المشرفة من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر.
وكان إلى جانب توليه مشيخة الخطباء، صاحب حلقة يعقدها يوميا في رواق باب الصفا، وعين رئيسا لمجلس الجراية – أي المخصصات العينية من الحبوب التي كانت تصل إلى مكة – ثم عين نائب لمجلس الأوقاف والجراية، وتولى القضاء في مكة زمن الشريف حسين، وله من المؤلفات إضافة إلى نشر النور، كتاب في الرد على الشيخ صالح كمال، ورسالة سماها إتحاف ذوي التكرمة في بيان عدم دخول الطاعون مكة المعظمة، وله عدد آخر من المؤلفات.


علماء الحرم

ومن علماء هذه الأسرة عدد ممن لم يتول مشيخة الخطباء، إلا أنهم من أصحاب الحلقات العلمية في الحرم أو في مدارس مكة ومن هؤلاء:ـ الشيخ محمد بن محمد صالح ميرداد، الإمام والخطيب في المسجد الحرام، ولد بمكة، وأتقن علم القراءات وأخذ عنه السيد عبدالرحمن بن سليمان الأهدل اليمني، توفي بمكة المكرمة في 1205هـ تقريبا.

الشيخ عبدالمعطي ميرداد، كان عالما فاضلا، صاحب حلقة في المسجد الحرام، توفي في 1262هـ.
الشيخ رضوان بن محمد بن عبدالمعطي ميرداد، قال عنه المؤرخ عبدالستار الدهلوي: أدرك الفقه إدراكا جيدا، حتى أصبح يستحضر في الفقه مسائل غريبة جدا ينقلها عن أساتذته، توفي في ذي الحجة في 1350هـ.
الشيخ محمد علي بن سليمان بن عبدالمعطي ميرداد، كان خطيبا وإماما ومدرسا في المسجد الحرام وفقيها جليلا في الفقه الحنفي، توفي بمكة في 1294هـ.
الشيخ أمين بن محمد علي بن سليمان ميرداد، كان خطيبا في الحرم وإماما في المقام الحنفي ومدرسا في المسجد الحرام، وكان يعقد حلقته بين باب القطبي وباب الباسطية، وعين نائبا لقاضي مكة، وعضوا بمجلس التعزيرات الشرعية بالمحكمة الشرعية.
محمد جمال، والشهير بجمال بن عبدالمعطي ميرداد، كان مدرسا بمدرسة الخياط في المسعى وذلك أيام الشريف حسين، كما كان إماما وخطيبا في المسجد الحرام، أَمّ الملك عبدالعزيز آل سعود في العام الذي صام فيه بمكة، وكان صاحب صوت جهوري يسمعه من كان في آخر الحرم قبل وصول مكبرات الصوت ومجودا مرتلا حافظا للقرآن الكريم، توفي بمكة في 1363هـ.
الشيخ محمد بن أمين ميرداد، ولد بمكة في 1324هـ، ولازم الشيخ عيسى رواس، وبرع في الفقه الحنفي، وأَمّ الناس ودرسهم في المسجد الحرام والمدرسة الفخرية والرحمانية والعزيزية، كما كان مأذونا لعقود الأنكحة، ورشح للقضاء وكعادة العلماء اعتذر تورعا، وتصدى للتدريس والفتوى بالمسجد الحرام، وكان درسه في الفقه الحنفي وغيره، ومجلسه معروف بالحصوة بين بابي السلام والدريبة، وتخرج على يديه علماء كثيرون منهم الشيخ عبدالله خياط والسيد علي البار وغيرهما، يمتلك مكتبة جيدة في بيته، إلا أنه نقلها للحرم في خلوته بباب السلام، وفقدت الكتب في أحداث الحرم في 1400هـ، كما أخبرني بذلك العم صالح سقطي رحمه الله.

أسهمت أسرة الميرداد في تقديم المؤلفات العلمية عبر أجيالها، فيما اشتهر بعض منهم بالترحال والسفر، للسياحة أو التجارة أو نشر العلم.


مؤلف التجويد السديد

اعتبر حسين بن أمين بن محمد علي ميرداد من رواد الحركة التعليمية في السعودية، ولكن لم تذكر لنا المراجع سنة ولادته بالتحديد، والتي قد تكون ما بين 1325-1329هـ، وكتب عنه في تتمة الأعلام للزركلي: «بدأ حياته العملية بالمدرسة الليلة الأولى في مكة المكرمة، ومنها انتقل إلى المدرسة السعودية في 1355هـ، تقلب في مراكز التعليم المختلفة إلى 1375هـ، وكانت آخر محطاته وكيلا لمدرسة مكة المكرمة.
له عدة مؤلفات أبرزها مؤلف في علم التجويد وكيفية القراءات «إلا أن قوله إن له عدة مؤلفات فيه مبالغة، فقد أخبرتني زوجته مريم عبدالله مكاوي قبل وفاتها بفترة قصيرة بوجود كتاب واحد له في التجويد، ولكنه فقد، إلا أني وجدت منه عدة نسخ بمكتبة المدرسة الصولتية، وهو كتيب صغير جدا يقع في 15 صفحة، بعنوان التجويد السديد على المنهج الحديث.
بالإضافة إلى ما ذكر، كان الشيخ حسين يعمل مأذونا شرعيا، وكان المكيون يتفاءلون به ويقدرونه كثيرا، توفي السبت 12 صفر 1414هـ.
وأيضا الشيخ محمد سعيد أبوالخير، الذي ولد في 1283هـ، حفظ القرآن الكريم صغيرا، ودرس في المدرسة الصولتية، ثم عين عضوا بهيئة التدقيقات «التمييز»، كما عين مديرا للأوقاف في عهد الملك عبدالعزيز، ترشحه الحكومة دوما في اللجان التي تعقد لحل المشكلات.
ومن أوائل المدرسين النظاميين في السعودية عبدالله بن أمين بن محمد علي ميرداد، ولد بمكة المكرمة في 1335هـ، ودرس في المدرستين الفخرية والفلاح، كما هو واضح من شهاداته الدراسية الصادرة من هاتين المدرستين في مكة المكرمة، والتي أطلعتنا عليها زوجته نور بنت أحمد جمال، واعتبر من رواد الحركة التعليمية.
التحق بالسلك التعليمي بداية من رجب 1355هـ، كمعلم درجة ثانية، وترقى حتى عين مديرا للمدرسة المنصورية بداية من ربيع الأول 1368هـ، وصولا إلى أمين مكتبة معهد المعلمين، وظل في التعليم حتى وفاته في 15 رجب 1395هـ.


علماء في السفر

وممن اشتهر بالترحال والسفر، للسياحة أو التجارة أو نشر العلم من أفراد هذه الأسرة:ـ- الشيخ محمد صالح بن سليمان بن محمد صالح ميرداد الحنفي، الإمام والخطيب بالمسجد الحرام، كان له مكانة عظيمة أيام الشريف غالب، وإماما عند الشريف يحيى بن سرور، أمضى غالب عمره في الأسفار، حتى إنه مات وهو مسافر في الهند 1280هـ.


- الشيخ عبدالحميد بن عبدالمعطي ميرداد، الخطيب والإمام في المسجد الحرام، كان صاحب خلوة بباب الزيادة، ومدرسا في مدرسة الخياط بالمسعى، وصاحب خلوة بباب الزيادة في رباط محمد علي باشا، يعلم فيها القرآن الكريم للإندونيسيين والماليزيين والسمرقنديين وأهل بخارى، وكيب تاون وغيرهم، كان يسافر إلى الهند، ولكن جل رحلاته إلى إندونيسيا فكان تلامذته منتشرين في جزيرة جاوة وحتى مشارف إندونيسيا، كما كان له مركز في وسط جاوة الكبرى ببلدة جمبانغ في أكبر مدرسة يمتلكها الكياهي هاشم، يعلم فيها القرآن العظيم في جناح خاص، وظل على ذلك حتى وفاته 1378هـ، في جزيرة مدورة في إندونيسيا.
- الشيخ عباس بن عبدالحميد بن عبدالمعطي ميرداد، كان إماما وخطيبا في المسجد الحرام، وإماما للشريف الحسين بن علي في الرحلات والأسفار، حفاظة رحالة قوي البنية، مات في المدينة المنورة وهو في عنفوان شبابه 1364هـ.
- الشيخ محمد نور بن أحمد أبوالخير ميرداد، ولد 1310هـ، كان قارئا حافظا للقرآن الكريم، يسافر كل عام إلى إندونيسيا لمصاهرته أهل سليبيس ويتردد على جاوة.
حرفته التجارة في تلك الجزيرة، إضافة إلى تنقله لتعليم القرآن الكريم بين مكة وإندونيسيا، وظل على ذلك حتى وفاته 1389هـ.


- الأستاذ محمد بن عبدالحميد ميرداد، من أشهر الرحالة في تاريخ آل الميرداد، ولد بمكة المكرمة سنة 1332هـ، ونشأ في الزيمة ثم عاد إلى مكة ودرس في كتاب الفقيهة آشية، وفي مدرسة الخياط في المسعى، ثم تخرج من الفلاح في 1350هـ، ودرس فيها وفي الفخرية لمدة عامين مع القيام ببعض الرحلات إلى الطائف وغيرها من المناطق المحيطة بمكة المكرمة، وسافر في 1353هـ إلى الهند، وبورما وسيلان وسيام والفلبين واليابان وجزر الهند الشرقية، ثم عاد إلى السعودية، وعمل في التجارة، ثم انتدب من قبل الحاج محمد علي زينل مديرا لمدرسة بازرعة في عدن، ومنها قام برحلات إلى جنوب وشرق أفريقيا، ثم عين مديرا للمدرسة السعودية بمكة وأستاذا للأمير منصور بن عبدالعزيز، بعدها استقال وعاد إلى ما كان فيه من التجارة والسياحة، توفي في 1415هـ، تاركا عددا من المؤلفات.

* صحيفة مكة




بواسطة : حسام عبدالعزيز مكاوي
 0  0  16995
التعليقات ( 0 )

-->