هل عرفت مدينة جدة المكتبات؟
18 جمادى الثانية 1435 - 19 أبريل 2014
خضر بن سند
قبل أكثر من أسبوعين تم افتتاح مكتبة الملك فهد الوطنية بجدة، وكان فعلاً خبرا مبهجا أن يعلن عن افتتاحها بعد سبع عشرة سنة من وضع حجر الأساس، ومع تغيير موقعها من وسط جدة حيث تقاطع شارع فلسطين والأندلس إلى أحد أطراف سور الجامعة الغربي، إلا أن افتتاحها عمل رائع بحد ذاته.
ولكن هل إنشاء مكتبة عامة يحتاج لهذه السنوات التي هرم فيها الشاب وفترت عزيمة النشيط؟
الجواب قطعاً: لا. ولكن يبدو لأن المكتبات عندنا ليست مطلباً جماهيرياً واجتماعياً أصبحت ليست بتلك الأهمية التي تجعلنا نسارع في عمارتها وبنيانها.
حسناً.. بما أنها قامت فها هنا خواطر من التاريخ، هل عرفت مدينة جدة المكتبات في قديم الدهر، وهل عرف أهلها بحب الكتب واقتنائها؟
تذكر كتب التاريخ أنه في عام 1194 للهجرة قدم الحجاز العالم الشهير محمد عابد السندي وما أن وصل لمدينة جدة حتى استقبله أهلها بكل ترحاب وكان من أهل جدة وجيه كبير يقال له الوزير ريحان، وكان يقوم بأعمال جدة من قبل حاكم مكة، فهب لاستقبال الشيخ السندي وبنى له مسجداً ورباطاً، وأنشأ مكتبة عامة عامرة بنفائس الكتب وأوقف أوقافاً على المكتبة وقد عرفت هذه المكتبة في كتب تاريخ جدة باسم مكتبة الوزير ريحان، وقد ذهبت الآن ولا يعرف لها أثر.
قبل هذا الوزير بمئات السنين وفي حدود القرن الرابع الهجري عرفت جدة بأنها أحد مصادر إسناد كتب الحديث الشريف، ولهذا ذكرها العالم ابن الفرضي الأندلسي في كتابه تاريخ علماء الأندلس، فقد نقل لنا نصوصاً أن العلماء رحلوا للسماع من الحسين بن حميد النجيرمي كتاب موطأ مالك وكتاب الأموال لأبي عبيد وذكر غيره من العلماء، وبعد عهد ابن الفرضي ببضع مئات من السنين يتحفنا الحافظ ابن حجر العسقلاني «الذي توفي عام 852 للهجرة» برحلته إلى مدينة جدة ولقائه ببعض علماء جدة وأخبارهم، وعلى خطى الحافظ ابن حجر يستمر تلميذه السخاوي في كتابه البلدانيات فيذكر عدداً من علماء جدة وأخبارها وفضائلها في كتابه البلدانيات، يقول السخاوي عن جدة: «وهي من البلدان التي سمع بها الطبراني على بعض شيوخه، وأبوحيان على أحمد بن محمد بن الحسن الحراز الزبيدي، وكذا شيخنا» ويعني بكلمة شيخنا الحافظ ابن حجر.
في العصور القريبة كانت مكتبات جدة مزاراً مهماً لكثير من علماء العالم الإسلامي وأثنى على مكتباتها غير واحد منهم، الزركلي صاحب الأعلام، والمعلمي صاحب التنكيل، وعلي الطنطاوي في خواطره، وغيرهم كثر، ومن المكتبات الشهيرة جداً مكتبة الشيخ محمد نصيف وقد سلمت لجامعة الملك عبدالعزيز، ومكتبة حسونة البسطى وقد سلمت لمكتبة مدارس الفلاح.
والعجيب أن الإعلام سارع بكاميراته ونقل صوراً حية من افتتاح المكتبة الجديدة ونسي مبنى المكتبة العامة الذي بني قبل أربعين سنة، وهي مكتبة عامرة بألوف الكتب والمجلدات منزوية في جنوب جدة وتتبع حالياً وزارة الإعلام.
ورغم قدم المكتبة العامة القديمة وضخامة مبناها وتعدد طوابقها وسعة مرافقها ووجود مسرح كبير للمحاضرات فإنها مهملة من الزوار ولا تكاد تجد في الغالب أحداً، فهل نحن فعلاً نقدر المكتبات العامة وما هي جهودنا لغرس ثقافة القراءة والبحث والاطلاع في قلوب وعقول الناس؟
إننا نحتاج أن نعيد الهيبة للمكتبات العامة، وأن نجعلها مكاناً للقيا العلماء والشعراء والأدباء والمثقفين والقراء. لقد زرت عدداً لا بأس به من المكتبات العامة في مختلف المناطق وأقولها بكل أسف: لقد علا الغبار أرفف كثير من المكتبات، وأصبحت تسمع صدى صوتك في جنباتها، وتجلس الساعات بدون أن ترى أحداً يدخلها.
هل المسؤول وزارة الثقافة أم وزارة التربية أم وزارة التعليم العالي؟ أم إن المشكلة مشتركة بين جهات عديدة؟ أترك لكم الجواب.
المصدر : صحيفة مكة