• ×

علماء الحضارم في جدة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

علماء الحضارم في جدة
25 رجب 1436 - 15 مايو 2015
خضر بن سند

كنتُ قبل عشر سنين قد نشرت كتاباً مخطوطاً لم يسبق له أن طبع، وكان بعنوان (علماء الحضارمة في جدة) للشيخ علي بن سالم العميري، وقد توفي رحمه الله، والمؤلف هو أحد أبناء جدة وعلمائها، حيث ولد فيها بدايات القرن الهجري الماضي، وقد أحب أن يذكر شيئاً من سير العماء الحضارم في جدة ممن درس عليهم أو أدركهم وقد حققت الكتاب ونشرته وأضفت عليه فوائد كثيرة والحمد لله.
تكمن أهمية الكتاب في أن المؤلف العميري انفرد بأول كتاب يضم تراجم لعلماء جدة وقد كان أناس يعتقدون أن جدة مدينة تجارية فقط، والحق أن مدينة جدة مدينة علمية منذ القدم وقد أشرت في مقالة سابقة عن هذا الموضوع، حتى قامت سوق العلم والمكتبات فيها، وذكر علماءها عدد من الكتاب والمؤلفين عبر القرون بداية من القرن الثاني الهجري حتى يومنا هذا.
وإذا كان المؤلف قد توفي قبل نحو ستين سنة فإن المتتبع لمن جاء بعده من علماء الحضارم في جدة سيجد مادة علمية دسمة، فمثلا لا يمكن أن ينسى أبناء الجيل الحاضر في جدة عالماً جليلاً مثل الشيخ سالم بن عفيف، وهو رجل يستحق أن يفرد بترجمة مستقلة، فقد جمع الله له بين الفقه الواسع والاطلاع على الحديث واتباع السنة، وقد كانت له رحمه الله دروس مشهودة يعقدها، وقد حضرت بعضها في مسجده بحي المنتزهات وفي النزلة اليمانية وغيرها، تميز الشيخ سالم بن عفيف بقدرته على تسهيل المعلومة المعقدة وشرح الكتب التأصيلية لطلبة العلم مع رحابة نفس وسعة بال أمام الضعف العلمي للطلبة أحياناً، وقد قدم إلى السعودية عام 1365هـ وتفرغ يطلب العلم على علماء المسجد الحرام فدرس على الشيخ عبدالحق الهاشمي قرابة عشرين سنة قرأ عليه غالب كتب السنة، ودرس على الشيخ علي عبدالرزاق حمزة إمام الحرم وعلى الشيخ حسن المشاط وغيرهم حتى برع وشهد له مشايخه بالعلم والفقه، وتبدأ قصته مع مدينة جدة تحديداً عام 1393 هـ حيث انتقل للعيش فيها، ولم تشغله تجارته في الذهب عن نشر العلم وتدريسه حتى توفي رحمه الله عام 1423هـ ودفن بجدة، فتكون مدة إقامته بجدة نحواً من 30 سنة وهي فترة النضوج العلمي والتدريس والتعليم وليت طلبته يتفرغون ويخرجون تراثه ودروسه ومؤلفاته.
وممن عرفته جدة أيضاً الأديب الملهم وصاحب القلم السيال محمد بن أحمد باشميل وهو علم على رأسه نار، ولد في حضرموت وقدم للسعودية في عهد الملك عبدالعزيز، وقد جاء حاملاً معه مشاعل العلم والثقافة بشكل لافت للنظر، فهو عالم شرعي وأديب لغوي وسيف مسلول على الشيوعية وأرباب البدع، استطاع باشميل في سنوات محدودة أن يكون علامة فارقة في الصحافة السعودية، فخلال 40 سنة أصبحت مقالاته ومؤلفاته حديث مجالس النخبة والعلماء، فهو صاحب كتب الغزوات الكبرى في السيرة النبوية التي كتبت بأسلوب جمع بين العلم الواسع وبين التحديث في الأسلوب والعرض، وهو صاحب الردود على الصوفية والقبوريين التي أصبحت مرجعاً للناس سنين طوالا، فطلبة العلم لا يجهلون كتاب ( كيف نفهم التوحيد) والمفكرون الذين يقاومون تيارات الإلحاد لا يجهلون كتابه (كيف نحارب الإلحاد) وقد طبع عام 1380هـ، وأما الشيوعيون العرب فلا تخفاهم معاركه العنيفة معهم حيث أصبح رأس الحربة السلفية، فرغم تمكنه من علوم الشريعة لم يكن بعيداً عن كتب الفلسفة والحضارات والأفكار المعاصرة، ورغم اطلاعه عليها إلا أنها لم تؤثر في منهجه أو فكره أو تدينه، لقد وجد الناس ذلك العالم السلفي الواسع الاطلاع القوي في الحجة وصاحب القلم الأدبي السيال، فكانت كتبه قبل 50 سنة تمثل نقطة تحول في النضوج العلمي في السعودية، وأصبح كبار الكتاب يهابون مواجهته، وخاصة بعد أن فضح بعضهم وطالتهم عقوبة بسبب لهيب مقالاته وصراحتها.
ويشاء الله أن يموت باشميل بعد تلك التضحيات العظيمة والمؤلفات الجليلة ليدفن بجوار الشيخ سالم بن عفيف بمقبرة الفيصلية نفسها عام 1426هـ.

المصدر : صحيفة مكة

بواسطة : خضر بن سند
 0  0  8444
التعليقات ( 0 )

-->