مدخل:
ظلت الأودية المحيطة بمكة المكرمة محورا مهماً للنشاط البشري منذ أن أصبحت مكة المكرمة مركزا دينياً، فنزلت القبائل العربية مكة وأطرافها عند منابع المياه وما حولها خاصة في وادي فاطمة (مر الظهرانّ) الذي كان غنيا بمياهه ، ولم يكن ليبعد طرفه الغربي لأكثر من (20) كيلاً بينما لا يتجاوز أقصاه في الشمال الشرقي لأكثر من (50) خمسون كيلا دون عوائق طبيعية ؛ مما هيأ لوادي فاطمة ميزة فريدة لم تتوفر لبقية الأودية الأخرى المحيطة بمكة كنعمان أو ملكان أو دفاق الواقعة جنوب مكة.
و يجدر بهذا الوادي أن ينال قسطاً وافياً من التوثيق التاريخي ؛ وهو ما حاولنا إيجازه خلال هذه الملامح العامة دون الإسراف في التفاصيل. حيث لم نلمس اهتماما تاريخيا وثقافيا يليق بمكانته ، حتى عندما اختيرت مكة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426هـ لم نر إصدارا ثقافيا واحداً أو حتى مجرد مقالة تمسه ولو مسا خفيفا، وهو جار لمكة المكرمة ومن أعمالها بل حد الحرم الغربي الواقع بحداء يقع بوادي فاطمة.

واتضحت أهمية وادي فاطمة بعد أن جاء تقي الدين الفاسي في العقد الثمين وأسرة (بنو فهد) في بلدانياتهم ورصدوا كثير من الأحداث والتراجم حتى أن جار الله بن محمد بن فهد الهاشمي كما أشرت أفرد كتابا مستقلا سماه (حسن القرى في ذكر أودية أم القرى) كرس جله لوادي مر الظهران وهو العمود الفقري الذي لم نستغن عنه طوال بحثنا مما هيأ لنا فسحة تاريخية وأثرية كشفت لنا الكثير من غوامض الآثار خاصة خلال النصف الأول من مطلع القرن العاشر. و في مطلع القرن الهجري الماضي، واصل إبراهيم رفعت باشا تلك المسيرة بشكل علمي منظم وموثق في مرآة الحرمين. واختتم تلك المسيرة شيخنا عاتق البلادي حفظه الله في نواح متفرقة من كتبه. فلهم الفضل و الريادة، و مهما يكن تظل تاريخية الوادي بحاجة إلى مزيد من الدراسات الميدانية التي تكشف النقاب وتزيح الستار بشكل علمي دقيق بحيث يعطي صورة صحيحة عن تلك الكنوز التاريخية التي نراها أو تلك التي ما تزل تحت أنقاض الدهر. وهدفنا هو إضاءة بعض الجوانب التاريخية والأثرية حول الوادي ولعلنا نلفت الانتباه لهذه الجوانب كما يمكنا أن نمهد السبيل أما دراسات أكثر منهجية وأوسع علمية.

الموقع والطبيعة الجغرافية:
نلاحظ أن هناك تسميتن للوادي شائعة وهي (مر الظهران ووادي فاطمة) الحق أنه لم يعرف عند المؤرخين القدماء إلا بوادي مر الظهران كالواقدي والطبري وإبراهيم بن إسحق و الفاسي ،ولعل التسمية بوادي فاطمة كانت معروفة في حدود القرن العاشر ولم تعرف وتشع بين الناس حتى أن جار الله بن فهد الهاشمي تـ ( 954هـ ) صاحب حسن القرى أنكر هذه التسمية.
يمتد وادي فاطمة من شمال شرقي مكة المكرمة إلى غربها على هيئة قوس تبتعد بعض أجزائه في الشمال الشرقي لنحو(60) ستون كيلاً وتقترب الأجزاء الغربية منه إلى نحو(20) كيلاً أما وسطه فلا يكاد يتجاوز 40كم
يتوسطه خط(42-21شمالا ) وخط (42-39 شرقا) ويصل متوسط بعده العام عن مكة قرابة (40) كيلاً وهي نفس المسافة التي أشار إليها المؤرخون القدماء كالبكري والحموي يقول البكري بين مر والبيت ستة عشر ميلا) ج2ص1212 .
الوادي بين مرّ وفاطمة .
يسمى هذا الوادي اليوم بوادي فاطمة كما أشرت في المقدمة وهي تسمية تختلف عن التسمية التاريخية المعروفة بوادي مر الظهران ولكن ليس بمقدورنا تجاوز مسمى( وادي فاطمة) رغم حداثته دون التوقف عنده نظرا لشيوعه بين العامة واستخدامه الرسمي وحلوله محل الاسم القديم ، وسنتعرف على نسبة الوادي إلى فاطمة وعلينا في البداية أن ندرك أن هذا الوادي شهد مسميات عدة على مدار التاريخ تبعا لمقتضيات الوادي الاقتصادية أو الاجتماعية. يقول الدكتور محمد محمود السريانيلهذا الوادي مسميات عديدة أهمها وادي فاطمة ، وادي مر، وادي الشريف ويحلو للبعض أن يسميه الوادي الأخضر لكثرة مزروعاته ، كما أطلق عليه البعض اسم الوادي الأحمر نظرا لتوفر خامات الحديد في بعض نواحيه) القافلة العدد الثاني المجلد السادس والثلاثون ص63 .
ويسمى هذا الوادي كما أشرنا عند عامة الناس بوادي فاطمة نسبة إلى خمس فواطم ذكرها المؤرخون الأوائل وهن:
1. فاطمة بنت سعد الخزاعية أم قصي بن كلاب \"جاهلية\" وهي إحدى الفواطم اللائي ولدن النبي المصطفى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم.
2. وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3. وفاطمة الخزاعية \"الطبيبة\"
4. وفاطمة بنت الشريف أمير مكة ثقبه بن رميثة ، وكان الشريف أحمد بن عجلان تزوجها في عشر السبعين وسبعمائة وولدت له محمداً الذي ولي بعده إمرة مكة .. ومات عنها فتزوجها الشريف علي بن عجلان سنة 790هـ، ومات عنها فتزوجها الشريف حسن بن عجلان. وكانت كثيرة الرئاسة والحشمة واليسار ملكت عقاراً كثيراً جداً بوادي مر وغيره، معظمة عند الناس ، تقري الأضياف وإن كثروا وتكرمهم، وتحسن إلى النازلين عندها ، وأوصت لمعتقاتها بأصيلة حسنة وغير ذلك، وتوفيت في 28 رمضان سنة 827هـ ، ودفنت بالمعلاة وقد بلغت السبعين أو قاربتها، ولم تخلف بعدها مثلها في الرئاسة والحشمة.( تقي الدين الفاسي، محمد بن أحمد الحسني المكي (ت 832هـ): العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين، ، ج6،ص431، وانظر: حمد الجاسر: مجلة العرب،ج8، س6، صفر1392هـ، ص672.
5. فاطمة الطبرية: فاطمة بنت عبد الواحد بن محمد بن أحمد الطبرية المتوفاة سنة(881هـ).

تاريخ التسمية:
يحتمل أن يعود تاريخ التسمية (بوادي فاطمة) إلى ما فوق القرن العاشر بقليل ؛ ولكن الأرجح أن مسمى الوادي ظهر بعد منتصف القرن العاشر لأن الفاسي (ت832) لم يشر إلى مسمى وادي فاطمة في العقد الثمين بل مسمى(وادي مر الظهران) وكذلك جار الله محمد بن عبد العزيز بن عمر بن محمد بن فهد الهاشمي (ت954) الذي استغرب هذه التسمية يقول: ( وسمعت من أكابر بعض الحجاج يسميه وادي فاطمة ولا أعرف هذه التسمية بمكة ) ثم جاء الجزيري(ت977) بعد ذلك في الدرر الفرائد وذكره (بوادي فاطمة). ونخلص إلى أن المسمى لم يظهر بشكل واضح إلا بعد منتصف القرن العاشر ولو كان شائعا ومعروفا لأشار إليه الهاشمي في حسن القرى. ويحتمل كما أشرت إلى ما قبل ذلك ولكن بشكل محدود ولم ينتشر.

تعليل التسمية:
وهناك تعليل لتسميته بمر، ذكره البكري في معجمه بقوله وقال كثيّر عزة سميت مرّا لمرارتها) ج2ص1212 وهو ما ذكره الفاسي في شفاء الغرام نقلا عن السهيليوسمي مرّا لمرارتها)ج1 ص570
وهناك تعليلات أخرى تغلب عليها الطرافة ومن ذلك قول أبو غسان سميت ذلك لأن في بطن الوادي بين مر ونخلة كتابا بعرق من الأرض ابيض : هجاء مر ، إلا أن الميم غير موصولة الراء) البكري ج2ص1212
وكذلك ما ذكره السهيلي عن سبب التسمية يقول وسمي مرا ، لأنه في عرق من الوادي من غير لون الأرض شبه الميم المدورة بعدها راء ،:خلقت كذلك\") البكري السابق.
ولكن الأرجح ما تفرضه صنعة اللغة وهو أن سبب التسمية (مر) من المرارة التي تصاحب عذوبة الماء وقد اشتهر هذا الوادي بهذه الميزة ومن هنا جاءت التسمية0اما ما عداه فيضل قيد الاجتهاد.
ويشير بوضوح الفاسي إلى اسم ( وادي مر) أي أن تسميته بوادي فاطمة لم تكن معروفة زمن الفاسي ولو كانت معروفة لذكر هذه التسمية وربما قال وينسب الوادي إليها... فمعلوم أن الفاسي كان يمتلك منهجا علميا قويا ودقيقا في الترجمة، ونخلص إلى استنتاج واضح أن الوادي كان معروفا بمر الظهران ولم يعرف بوادي فاطمة زمن تقي الدين الفاسي المتوفى عام 832هـ ولو نسب إليها لشاع زمن تقي الدين الفاسي ولأثبته في بلدانياته كما أشرت ، أما جار الله الهاشمي صاحب حسن القرى المتوفي سنة 954هـ فقد سمع بتسمية وادي فاطمة من أكابر بعض الحجاج كما ذكر في حسن القرى واستغرب هذه التسمية لأنها كانت غير معروفة بمكة أي أن التسمية كانت موجودة على الأقل بالوادي نفسه نقلها الحجاج ولكنه أنكرها بمكة ولم ينكرها بالوادي ولهذا أصر أن يسميه دوما وادي مر الظهران طوال بلدانيته حسن القرى واستبعد وادي فاطمة ، وهذا لا ينفي التسمية بل من يؤكد وجودها ولو على نطاق ضيق وهنا نستطيع أن نذهب في اطمئنان أن ظهور التسمية ما بين وفاة الفاسي 832هـ ووفاة الهاشمي 954هـ فخلال هذه المدة برزت التسمية 0 وتزيد المدة عن قرن 0
وكما سبق الذكر أن نسبة الوادي إلى أي الفواطم خلاف تاريخي لم يُحسم، ففاطمة بنت سعد الخزاعية أم قصي ؛ استبعد الباحثون نسبة الوادي إليها؛ لعدم ذكر المصادر التاريخية المكية القديمة لهذه التسمية.(عبدالله علي عبد الحميد الحسيني: مر الظهران \" وادي فاطمة\"، مجلة العرب ، شوال سنة 1391هـ، كانون الأول (ديسمبر) 1971م، ص259.
والنسبة إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً استبعدت ؛ لعدم ثبوت سكناها بهذا الوادي .( د. محمد محمود السرياني:ملامح الجغرافيا التاريخية لوادي فاطمة ،مجلة القافلة ،المجلد 36، عدد شهر صفر للعام 1408هـ، ص63.
وهناك فاطمة أخرى خزاعية أيضا كانت حاذفة بالطب والتداوي ذكرها الشريف محمد بن منصور في كتابه العيون في الحجاز يقول: ( وتزعم العامة أن فاطمة التي أضيف إليها الوادي وعرف بها هي امرأة من خزاعة كانت تسكن ناحية منه وكانت طبيبة حاذقة يأتيها الناس للتداوي عندها فشاع ذلك عنها وبعد صيتها في تهامة فعرف الوادي بها وأضيف إليها ) ص105 0 ولم أعثر لها على ترجمة يمكن الاستناد عليها أما ما يردده العامة فليس من المنهجية الاعتماد عليه ويظل دوما قيد الاستئناس وطرحه عبر المجاورة0
ويؤكد الشريف محمد بن منصور في سياق كتابه السابق أن التسمية لفاطمة بنت الشريف ثقبة بن رميثة وذكر أنها ذات فضل وجود 0 ويميل الدكتور السرياني لهذه النسبة أيضا بقوله : ( وهي من الأشراف سكان الوادي وقضت شطرا كبيرا من حياتها فيه مما يجعلنا نميل إلى الاعتقاد بأنها ربما تكون هي التي أعطت هذا الوادي اسمه الحالي -وادي فاطمة-) .
ويلقي الأستاذ عاتق البلادي الضوء على سبب تسميته بوادي الشريف فيقول: إن الشريف أبا نمي \" الثاني\" الذي ولي مكة ستين سنة (932-992هـ) قد امتلك جل وادي مر الظهران. فخلف ثلاثة أبناء منهم الشريف بركات، جد الأشراف ذوي بركات، وأن نصيب بركات كان من (الدخان) إلى حداء. ولهذا سمته البادية بوادي الشريف، ولا يزال جل هذا الوادي عند الأشراف ذوي حسين وذوي عبدالكريم وهما أبناء بركات. د. محمد محمود السرياني:ملامح الجغرافيا التاريخية لوادي فاطمة ،مجلة القافلة ،المجلد 36، عدد شهر صفر للعام 1408هـ، ص63، وانظر: عاتق بن غيث البلادي: أودية مكة المكرمة، الطبعة الأولى ، 1405هـ - 1985م ، دار مكة، ص10.
أما فاطمة الطبرية التي ذكرها عبد العزيز الرفاعي في العرب بقوله 000 كانت هذه المحدثة تقضي أياما في وادي مر في مزرعة لها وان ذلك الوادي على مرور الايام عرف بها فأطلق عليه وادي فاطمة) نقلا عن العرب ج8 السنة السادسة0 فربما هي: ( فاطمة بنت عبد الواحد بن محمد بن أحمد الطبرية المتوفاة سنة 881 هـ ) .
وبالرغم من أن عدداً من الباحثين يرون أن تسمية الوادي نسبة إلى فاطمة بنت الشريف ثقبة، ويدعم ذلك تملك عددٍ من أمراء مكة الأشراف لجل عيونه ومزارعه، ولسكنى الكثير من أحفادهم بالوادي إلى اليوم ، وتملكهم لكثير من قراه ومزارعه ، فهو وادي أبناء فاطمة ، وتدعوه العامة بوادي الشريف كما سبقت الإشارة لذلك ، إلا أني أميل إلى أن الوادي قد نُسب إلى فاطمة الطبرية ، خاصة أن تاريخ وفاتها يتوسط المدة التي حصرناها ، والله أعلم.

إضاءات عبر المراحل التاريخية:
1. الوادي ما قبل التاريخ .
أثبتت بعض الدراسات وجود أدوات حجرية تعود إلى العصر الموستيري كما في أطلال: (أول المواقع الأثرية الذي عثرنا عليه على بعد 3كم شمال الجموم على منحدر عند قاعدة جبل من البازلت وتحيط بهذا الجبل كمية كبيرة من الأدوات الحجرية الموستيرية) أطلال العدد الخامس، وتشير الدراسة إلى وجود أدوات حجرية تعود إلى العصر الآشوري: (بوادي فاطمة فوق منحدر غريني من الرمل والحصباء ، وقد تناثرت على سطحه مجموعة متنوعة من الأدوات الحجرية.) السابق.واخذ النشاط البشري يتزايد وينتشر نتيجة توفر المياه واتساعها إلى عصرنا الحاضر.
2 . الوادي في العصر الجاهلي .
شهد الوادي في العصر الجاهلي نشاطا بشريا خاصة لوقوعه مباشرة على الخط التجاري الرابط بين مكة ويثرب والممالك الشمالية القديمة ومرور القوافل به أمر طبيعي ( لقد كان الوادي محطة عبور القوافل التجارية قبل الإسلام. فمن هذا الوادي مر صاحب الفيل في طريقه لهدم الكعبة وفي هذا الوادي لقيه عبد المطلب . وفيه كان يعقد سوق مجنة ومر به الرسول صلى الكريم عندما كان يعمل في التجارة قاصدا الشام) القافلة (مرجع سابق)
وقد ذكر الأزرقي عن ابن عباس قوله انه بمكة حي يقال لهم العماليق فكانوا في عزة وكثرة وثروة وكانت لهم أموال كثيرة ترعى بمكة وما حولها من مرّ ونعمان وما حول ذلك) ج1ص89 كما ورد في الأثر أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند عودته من الشام أقبل إلى مكة ومعه ميسرة فلما كان بمر الظهران الحديث) ج1ص132 إتحاف الورى بأخبار أم القرى للنجم عمر بن فهد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم في الخامسة والعشرين من عمره يوم ذاك أما قصة خزاعة في العصر الجاهلي وتخزعها بهذا الوادي فقد رويت بشكل رئيس في المصادر الأدبية إلا أن بعض المؤرخين أشار إليها بشكل سريع يقول ابن كثير : ( فنزلوا بمر الظهران فأقاموا به) ج3ص187 .
ويذكر ابن كثير في السيرة أن بمر الظهران صوامع للعبادة قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ج1 ص222 ومن هنا نكتشف أن هناك نشاطا بشريا كان بمرّ الظهران سواء على المـــستوى الاقتصادي أو الديني فإن صحت رواية ابن كثير فنحن نرجح أن النصرانية ربما كانت دينا موجودا قبل الإسلام بمر الظهران والنصرانية كانت معروفة بمكة قبل الإسلام ومن الطبيعي أن تنتشر في الحواضر الزراعية
3. الوادي زمن الدعوة المكية .
وفي زمن الدعوة المكية لم يغفل المؤرخون هذا الوادي عندما تشرف بالدعوة النبوية المباركة فالثابت انه صلى الله عليه وسلم دعا الناس للإسلام بهذا الوادي في المواسم والأسواق ومنها سوق مجنة الواقع بمر الظهران (فعن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سبع سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ و مجنة وفي المواسم)السيرة النبوية لابن كثير ج1ص153


4. الوادي عام الفتح .
وفي عام الفتح نزله النبي صلى الله عليه وسلم (مر الظهران) في عشرة آلاف مقاتل قال ابن كثير: (حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين) البداية والنهاية ج4ص385 وكانت إقامة النبي صلى الله عليه وسلم بالوادي وفي السيرة لابن كثير ولما انتهى رسول الله صلى عليه وسلم إلى مرّ الظهران نزل فيه فأقام كما روى البخاري عن يحي بن بكير ، عن الليث ومسلم ، عن أبي الطاهر ، عن ابن وهب ، كلاهما عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة عن جابر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران نجتني الكباث ،) ج4ص545 ، وظل معسكر النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه بهذا الوادي قبل دخول مكة وفق ما أشار إليه الواقدي خرج رسول الله إلى مكة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ الظهران ) الطبري ج2 ص(156- 175) وقصة أبي سفيان مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالوادي معروفة.
5. الوادي في صدر الإسلام .
لم ينقطع ذكر الوادي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أشير إلى هذا الوادي كما في البكري : (ورد عمر بن الخطاب الذي ترك الطواف لوداع البيت من مر الظهران) المعجم ج2ص1212 ويدعم ذلك ما قيل أن أبا موسى ( كسا في كفارة اليمين ثوبين ظهرانيا ومعقدا ، قال النضر : الظهراني يجاء به من مر الظهران) [1]الحموي ج4ص63 ،وابن منظور ج4ص529 ؛ وهذا يدل على ما يتمتع به الوادي من تطور صناعي كبير في زمن مبكر من العصر الإسلامي بدليل هذه الصناعة النسيجية المشار إليها في قصة أبي موسى، ولم تكن هذه الصناعة فجائية بل جاءت نتيجة تقنية صناعية سابقة، واستمر الوادي مؤثرا في الحياة الاقتصادية بمكة المكرمة بعد ذلك ولم ينقطع النشاط البشري
6. الوادي في العصر العباسي .
جاء العصر العباسي وتم إصلاح العيون وتطويرها وفق نظم ري مستحدثة أدت إلى نقلة نوعية في جميع الأنشطة الزراعية ومن أبرز معالم الأنشطة التجارية التي ظلت قائمة سوق (مجنّة) الذي استمر إلى ما بعد سنة (129هـ) وفق ما أثبته البكري في المعجم
كما أسهمت خطوط الحج الرئيسة (الشامي والمصري) في تطوير الجانب التجاري ووصف ناصر خسرو الوادي في رحلته الحجازية(سفرنامه) نحو منتصف القرن الخامس 0وذكر مبان ومشيدات تثبت أن الوادي كان مزدهرا زراعيا و إنشائيا ومن المرجح أن نظم الري قد نشأت في زمن مبكر من العصر العباسي.
7. الوادي في العصرين المملوكي والعثماني .
وظل الوادي في القرون المتأخرة كالقرن السابع والثامن والتاسع والعاشر محتفظا بنشاطه الزراعي القوي ويثبت ذلك اهتمام الولاة بمكة بعيون الوادي واستصلاحها وبقاء البرك التي يمر بها الحجاج عامرة كل ذلك يذكره المؤرخون كالفاسي في العقد الثمين وفي شفاء الغرام و في إتحاف الورى وحسن القرى وغاية المرام لعز الدين عبد العزيز بن عمر والجزيري في الدرر الفرائد والحميري في الروض المعطار وغيرهم من مؤرخي القرن الحادي عشر والثاني عشر وفي العصر العثماني واصل الوادي نشاطه الزراعي وأبدع الولاة في بناء البرك الفارهة والقناطر وجلبوا لها أمهر البنائين وهذا ظاهر عند رؤية المتبقي من البرك الزراعية وما وصلنا من شعر يصف بعض من هذه المعالم الإنشائية والتي غلب عليها النظم و الإنشائية وتصور علاقة الولاة بمكة إبان القرون المتأخرة كما يبرز الطراز العثماني بشكل كبير جدا على بعض المباني مما يؤكد علاقة الوادي وتأثره بزمنه العثماني.

الوادي في مدونات بعض الرحالة:
جاء ذكر الوادي عند الرحالة كابن جبير وابن بطوطة و الإدريسي وغيرهم ولكن جاء هذا الذكر لماما وسريعا ولم يصف إلا الطريق العام وهو الخط الواقع ما بين الجموم وأبي عروة ولم يتجاوز الوصف هذه المساحة حتى إبراهيم بن اسحق الحربي في المناسك لم يذكر إلا تلك البقعة ومع ذلك أعطت صورة جيدة لهذا الطريق
أشار ابن جبير في رحلته إلى الوادي إلى نحو أدق وأشار إلى أهل الفلاحة في ذلك التاريخ يقول: ( ومن بطن مر وهو على مسيرة يوم أو اقل ومن نخلة وهي على مثل هذه المسافة ومن أودية بقرب من البلد كعين سليمان وسواها قد جلب الله إليها من المغاربة ذوي البصارة بالفلاحة والزراعة فأحدثوا فيها بساتين ومزارع فكانوا احد الأسباب في خصب هذه الجهات وذلك بفضل الله عز وجل وكريم اعنائه بحرمة الكريم وبلده الأمين ) رجلة ابن جبير ص91 يقول ابن بطوطة: ( وأما بطن مر ويسمى أيضا مر الظهران وهو واد مخصب كثير النخل ذو عين فوارة سيالة تسقى تلك الناحية ومن هذا الوادي تجلب الفواكه والخضر إلى مكة شرفها الله تعالى ثم أدلجنا من هذا الوادي المبارك)رحلة ابن بطوطة ج: 1 ص: 149
ويظهر أن بعض المغاربة المجاورين للحرم رأوا أن يعملوا أثناء مجاورتهم بالزراعة في الوادي نظراً لقربه من الحرم ولكن لم يذكرهم أحد فيما بعد مطلقا ويبدو أنها كانت فترة محدودة لم تدم طويلا.
ومنهم الإدريسي في نزهة المشتاق ووصف البقعة التي مر بها من الوادي بقوله: ( وهو منزل فيه عين ماء حوله نخيلات يأوي إليه قوم من العرب) ج1 ص141 والمعني من كلام الإدريسي هي عين العقيق المحاذية للطرف الشمالي لمحافظة الجموم وتقع على الطريق مباشرة جوار مسجد الفتح وهي من العيون الداثرة قديما محدودة الماء اكتسبت أهميتها كونها ملاصقة للمسجد شاهدت لها بقايا من الرسوم بجوار المسجد السابق ويحيط بها كسر من الفخار ولكن المد العمراني طاولها تماما إلا النذر اليسير .


قلت أي صاحب موقع أشراف الحجاز-: للاستاذ بدر بحوث ومقالات حول حول الآثار والموروث الشعبي، وقد عمل وكيلاً لمتحف مكة للآثار والتراث.