قبيلة غامد لم تحم النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم من العائف
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ
• الْحَمدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى أَشْرَفِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ ، أَمَّا بَعْدُ :
• فإن التأليف مقصد نبيل، وغاية عظيمة، يقرِّب فيه المؤلِّف المعلومة لطالبها، ويجمعها لمريدها، ويفيد بها المستفسر عنها، ويخبر بها من يجهلها، يبذل المؤلِّف في سبيله غالي الأوقات.
• ومع كل هَذه المقاصد النبيلة والتضحيات الكثيرة إلا أن التأليف أمر عسير، وشأن ينبغي أن لايخوض غماره إلا من امتلأ علما، وتعلَّم أصوله وأتقنها زمنا، وإلا فإن تأليفه سيكون سُبَّة تُذكر كلَّما ذكر، وتلوكه الألسنة والكتابات كلما ظهر.
• التأليف ليس جمع معلومات، وحشوها في صفحات، بل هو تنقيح وتحقيق للمنقولات، وفحصها قبل عرضها على متلقيها، خاصَّة في عصرنا الحديث، الَّذِيْ سهل فيه الوصول إلى المعلومة، وبات البحث عنها أسرع من شرب الماء، سواء في برامج البحث الإسلاميَّة أو على الشبكة العنكبوتيَّة.
• ووسط هَذِهِ التقنيات الهائلة، ووسائل البحث السَّريعة، فإن الفرح بالإغراب على الآخرين بمعلومة، أمر محبَّب للنفوس، يشعر الباحث معه بنشوة يعرفها من جرَّبها، ويرغبها من لم يحصِّلها بعد.
• لكن شأن الإغراب صعب، خاصَّة إن كانت في باب مشهور متداول بين العلماء وطلاب العلم والمهتمين، والباحث الجادُّ يفرح كغيره بالإغراب، لكنه يفحص المعلومة قبل نشرها، ويكرِّر البحث عمَّن سبقه إليها، ويعيد النظر فيها، كلُّ ذلك لتكون ثقته في إغرابه في مكانها، ولا يأتي من ينقِّب عنها ويبين خللها.
• هذه الكلمات نصيحة لنفسي أولا، ثم لجميع إخواني طلبة العلم وغيرهم من المحبين للبحث والتأليف، والنشر والتحقيق، لأن العلم أمانة، والأمانة في نقل المعلومة لمحبِّيها وراغبيها ثقيلة على الحريصين، ومضيَّعة عند المفرِّطين والمستهترين بعقول الآخرين.
## منقبة غريبة لا تثبت لقبيلة غامد ##
• غامد قبيلة عريقة، لها في الشجاعة والكرم وغيرها ما لغيرها من القبائل، وفيها من الشر وغيره كما في غيرها من القبائل، والفخر بالقبيلة والكتابة عنها أو جمع متفرِّق أخبارها أمر محمود إذا لم تُتَجاوز به الحدود، وقد كثرت الكتابات عن القبائل في وقتنا، في المنتديات، ووسائل التواصل الاجتماعي؛ وكذلك التأليفات.
• والكتَّاب يفرحون بكلِّ معلومة يقفون عليها ترفع من شأن قبيلتهم، وينشرونها وإن كانت ضعيفة أو من مصدر غير موثوق، ويدفعهم الحماس للتباهي بها، والاستشهاد بمصدرها، وهي في الحقيقة لا قيمة لها، لأن الضَّعيف كالعدم، والمكذوب كالعدم، والمحرَّف كالعدم، ومن يفرح بهذه الآثار المهلهلة فلن يدوم فرحه بها، ولن يطول أنسه بترديدها، لأن أمرها سينكشف يوما.
• بعد هَذَا كُلِّه، أحببت أن أبين خطأ وقع فيها أحد إخواني الأفاضل، حيث ألَّف كتابا عن قبيلة غامد، جمع فيه ما وقف عليه من معلومات كتبها من سبقه، وأضاف ما وقف عليه بنفسه مما لم يكتبه من قبله، وكعادة البشر لا يسلمون من الخطأ والزلل، فقد ذكر منقبة للقبيلة لم يسبقه إلى ذكرها أحد من المؤرِّخين على مر العصور السَّالفة، وهي معلومة لا يمكن أن يغفلها من كتب التَّاريخ، ولا يجهلها من سرد سيرة المصطفى صلَّى الله عليه وآله سلَّم، ألا وهي قوله ص 37:
المبحث الثَّالث: فضائلهم ومناقبهم وصفاتهم.
- دخول أبي طالب بالرسول صلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم غامد لحمايته، كما هو مروي عن ابن إسحاق.
وهذا يدلُّ على أنهم أهل حميَّة ونجدة ومنعة.
ذكر هَذِهِ المنقبة لغامد، المغربي في الإيناس. اهـ
• والحقيقة أن هَذِهِ المنقبة منقبة تُحسب للقبيلة – لو صحَّت – وهي دالَّة على فضل اختاره الله لهم، لكنها للأسف معلومة خاطئة، وباطلة جملة ومضمونا، وسبب الوقوع في هَذَا الوهم، الاعتماد على نسخة سقيمة لكتاب الإيناس في علم الأنساب، طبعتها (مكتبة الثقافة الدينية) أسقطوا منها كلمة، ودمجوا كلاما متعلِّقا بما قبلها بالكلام الَّذِيْ بعدها، فأصبح الكلام المحرَّف في هَذِهِ النسخة منقبة لغامد، وعند التحقيق لن يكون كذلك.
• وإليك بيان ذلك مختصرا، ثم بيانه من خلال الطَّبعة الَّتِيْ اعتمد عليها، والطَّبعة المحقَّقة على ثلاث نسخ خطِّيَّة والَّتِي نشرها علاَّمة تاريخ الجزيرة العربيَّة حمد الجاسر رحمه الله.
• جاء في النُّسخة المحرَّفة ما يلي:
وروى ابن إسحاق: أن رجلا من لِهْب كان عائفاً، فكان إذا قدم مكة أتاه رجال قريش بغلمانهم ينظر إليهم، ويعتاف لهم فيهم
فأتاه أبو طالب برسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو غلام، فنظر إليه، ثم شغله عنه شيء، فلما فرغ قال: الغُلام، عَلَيَّ به.
فلما رأى أبو طالب حرصه عليه غَيَّبه
فجعل يقول: ويلكم، رُدُّوا عَلَيَّ الغلامَ الذي رأيتُ آنفاً، فوالله ليكوننَّ له شأن.
قال: وانطلق به أبو طالب ( في غامِد) . اهـ
• وصاحب الإيناس ينقل هَذِهِ الرواية عمَّن سبقه، وإن لم يذكر إسنادها، إلا أن مصدرها معروف لكلِّ من له اهتمام بالتاريخ، فابن هشام هو من نقل لنا ما في سيرة ابن إسحاق، وقد توفي قبل صاحب الإيناس بقرنين، ولم يأت بذكر لغامد في هَذَا الموضع !
فمن أين أتى ذكر غامد هنا ؟!
أتى من إسقاط كلمة، ثم دمج ما قبلها بما بعدها، كما ترى هنا:
فجعل يقول: ويلكم، رُدُّوا عَلَيَّ الغلامَ الذي رأيتُ آنفاً، فوالله ليكوننَّ له شأن.
قال: وانطلق به أبو طالب.
( اللَّهَبَة: )
في غامِد ...
نموذج الطبعة التجاريَّة التي اعتمد عليها المؤلف :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1407797085
نموذج الطبعة المحقَّقة على ثلاث نسخ خطيَّة :
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1407798098
• تنبيه:
قال أحدهم لعلَّ المغربيَّ صاحب الإيناس اطَّلع على نسخة من سيرة ابن إسحاق، ذكر فيها هَذَا الأمر، وابن هشام لم يذكره .
وهذا مما لا يلتفتُ إليه عالم بسيرة ابن إسحاق وأنه لم ينقلها لنا إلا ابن هشام، ثم اعتمد عليه من جاء بعده، وأن بين ابن هشام والمغربي صاحب الإيناس قرابة قرنين
• لكن من باب توضيح الواضحات لبعض الخائضين في هَذِهِ الأمور دون بصيرة، بينت له أن طريقة المغربي في كتابه أنه يذكر الاسم ويضبطه، ثم يذكر في أي قبيلة يرجع، ثم يسوق نسبه، وقد يذكر بعض الفوائد أحيانا، ثم أريته مثالا على ذلك يتبين من خلاله أن الأمر لا يعدوا خطأ تلك الطبعة السقيمة، وأن المتعلِّق بما زعم أنه منقبة من خلالها إنما تعلَّق بوهم لا حقيقة له.
• وهذه صورة تبيِّن طريقة المغربي في كتابه، يظهر فيها برهان ساطع لكل مريد للحق.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/attach...1&d=1407799494
والله تعالى أعلى وأعلم
وكتب
أبو عبد الرحمن
خالد بن عمر الفقيه الغامدي
1435/10/15 هـ