المحامي السنوسي: في ذاكرتي أحواش مكة وهيبة العمدة.. وأتمنى عودة العسس
تحرير - علي العميري - مكة المكرمة
السبت 17/01/2015
تحرير - علي العميري - مكة المكرمة
السبت 17/01/2015
عضو هيئة الرقابة والتحقيق، وعضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، ورئيس لجنة المحامين بالغرفة سابقا، المحامي والمستشار القانوني محمد محمد صفي الدين السنوسي.
حصل السنوسي على بكالوريوس الشريعة الإسلامية مع مرتبة الشرف، بدأ حياته العملية بالالتحاق بالعمل الحكومي عام 1397هـ، فعمل محققًا بهيئة الرقابة والتحقيق بمكة المكرمة حتى عام 1413هـ، حيث قدم استقالته وافتتح في نفس العام مكتبًا للاستشارات الشرعية والمحاماة ثم أسس مؤسسة الرحاب الطبية، وفي عام 1415هـ افتتح مكتبًا آخر للاستشارات الشرعية والمحاماة في جدة، انضم إلى عضوية مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة في دورتها الخامسة عشرة عام 1417هـ، وتولى رئاسة لجنة المحامين والأنظمة وعضو في عدد من اللجان المنبثقة عن مجلس الإدارة.
عرفه الناس كمحامٍ ورجل قانون مرموق، ومن أجل هذا التقيناه في هذا الحوار، لنلقي بعض الضوء على جوانب أخرى من شخصيته وحياته، ربما لا يعرفها الكثيرون.. نتعرف عليها عبر هذا الحوار.
* في دفتر ذكرياتكم ماذا تتذكرون من حكاية الزمان والمكان لطفولتكم؟
- ولدت في مكة المكرمة بجبل أبي قيس (مقر القصور العامرة)، وكان لا يفصل بيننا وبين الحرم الشريف إلا الجسر الأخضر، وكان والدي عليه رحمة الله موظف في قائم مقام العاصمة المقدسة، والقائم مقامية لمن لا يعرفها ولم يسمع بها هي إدارة تابعة لإمارة مكة تختص بشؤون البادية القريبين من قرى مكة. ووالدتي عائشة عطيوي اللحياني، وكانت لا تقرأ ولا تكتب، ولكنها تخاف الله سبحانه وتعالى وتقدر والدي تقديرًا شديدًا، فغرست فينا حب الصلاة مع الجماعة، وتذكرنا دائمًا أن نسمع كلام والدنا في أي أمر يطلبه منا في أي وقت، وأن ذلك فيه صلاحنا وفلاحنا، مع أن والدي رحمه الله تزوج عليها مرتين، ولكن حبها وتقديرها له زاد عما كانت عليه لكونه تحمل بيتين آخرين، بل إنها تنازلت عن حقها في المبيت لمن شاء لأنها تريد أن تتفرغ للصلاة والعبادة، فأذن لها والدي ولكنها دائمًا وأبدًا تحترمه وتقدره، بل وتقبل يده أمامنا فجزاها الله خير الجزاء على ما فعلت وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة.
وكانت البيوت في مكة أغلبها يطل على برحة يلعب فيها الأطفال وتقام فيها الأفراح أو تكون فيها أحواش (والحوش لمن لا يعرف هي أرض فضاء لا تقل مساحتها عن 10×10) يلعب فيها الأطفال، وفي ناحية منها يوضع فيها محل للأغنام لأن كل بيت لديه أغنام يشرب من لبنها وقفص يوضع به الدجاج ليستفيدوا من بيضه ولحمه، وكان الناس في ذلك الزمان متحابين، ويعتبر الحي أسرة واحدة يرأسه عمدة الحي الذي يختار من قبل أهل الحارة ويكون صاحب خلق ودين وهيبة وتحمل للآخرين، وقد أكرمني الله بالجلوس مع بعض هؤلاء العمد، وأذكر منهم الآن الشيخ عبدالله بصنوي رحمه الله، والشيخ طاهر بغدادي عمدة جياد حفظه الله والشيخ أحمد نصار عمدة القشاشية رحمه الله وكان العمدة يقوم بحل المشكلات الحاصلة بين الأسر وكان الجميع يحترم كلام العمدة باعتباره كبير الحي ولا يذهب للشرطة أو المحاكم إلا نادرًا، فالعمدة يحل جميع المشكلات الصغيرة، وياليت يفعل دور العمدة ويعاد العسس في الأحياء فإن في ذلك خير كثير.
المدرسة المنصورية
* وجوه في الفصل الدراسي ووجوه في زوايا الحي مازلتم تتذكرونها؟
- درست المرحلة الابتدائية في المدرسة المنصورية خلف مبنى وزارة المالية بأجياد، وأذكر من زملائي عدنان وفهد خصيفان وأبناء البوقس وأبناء المقادمي وأنباء الساعاتي، وأما المرحلة المتوسطة درستها في مدرسة خالد بن الوليد أول شارع ريع بخش، وأذكر من الزملاء حمزة شبانه هذا ما تسعفني به الذاكرة في هذه المرحلة، أما الثانوية فدرستها في المدرسة العزيزية الثانوية (حوض البقر سابقا) وأذكر زملائي في هذه المرحلة كثيرون ولا أحب أن أذكر أحدًا حتى لا يغضب الآخرون، وكان مدير المدرسة الشاعر الكبير الأستاذ محمد سليمان الشبل أمد الله في عمره، وكنا نخافه ونجله ونظرته تكفي عن أي وسيلة للمعاقبة عن أي خطأ ما عدا بعض الزملاء فيطلب إحضار ولي أمرهم لمعرفة سبب المشكلة التي تكررت منهم لتحل من قبل المدرسة والبيت، أما بالنسبة للحي فكانت الذكريات جميلة فزملائي في المرحلة الابتدائية أغلبهم من الحي ومن الوجوه التي لازلت أذكرها حتى اليوم العم جميل طه خصيفان رحمه الله فقد كان الجميع يهابه مع أنه لم يمد يده على أحد من أولاد الحي.
* قصة أول عمل قمتم به؟
- أول عمل قمت به هو محقق في هيئة الرقابة والتحقيق وقصة عملي في هيئة الرقابة والتحقيق أنني عندما تخرجت في كلية الشريعة كان والدي رحمه الله تربطه بالسيد المرزوقي مدير عام فرع وزارة الخارجية بجدة علاقة صداقة وزمالة وذهبت مع والدي لزيارته والسلام عليه فسألني هل تخرجت في الجامعة قلت نعم فقال أريدك أن تعمل في الخارجية وطلب مني الأوراق وعينني على وظيفة ملحق وطلب مني الذهاب إلى الرياض لمراجعة ديوان الخدمة المدنية سابقًا (حاليًا وزارة الخدمة المدنية)، فذهبت في 27 شعبان 1398هـ وراجعت الإدارة المختصة ووجدت موظف يدعى عبدالقاهر فسألني هل درست اللغة الانجليزية فأجبت أنني درستها في المرحلة المتوسطة والثانوية والجامعة فطلب مني كشف الدرجات وكان الكشف في مكة وبعد أخذ ورد فقلت له (إذا تبغى تتعبني أروح مكة وأدعو عليك) فقال لي صلِّ على النبي، فصلينا جميعًا على النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم فقال لي توجد إدارة جديدة تسمى هيئة الرقابة والتحقيق يعطي الموظف فيها إضافة على راتبه 20% من الراتب فقلت أريد وظيفة بالقرب من والدي ووالدتي في مكة المكرمة، فقال لك ذلك، وصدر القرار بتعييني في هيئة الرقابة والتحقيق وتوجهت للعمل بفرع الهيئة بمكة الذي كان في عمارة إبراهيم سليم ولا يبعد عن سكني سوى عشرة دقائق مشيًا على الأقدام.
* حادثة ما زالت عالقة في الذهن؟
- وفاة والدتي كانت أكبر حدث عالق في ذهني لأني كنت أحبها حبًا شديدًا وهي كانت تبادرني بالحب باعتباري أكبر أبنائها، وكنت أحب أن أغني لها يا أحلى بدوية في السعودية فتضحك رحمها الله تعالى وتقول هذا في عينك الله يهديك، وكنت اعتمد في جميع أموري بعد الله سبحانه وتعالى في الاستئذان منها وأخذ موافقتها وطلب الدعاء لي وكل ما أنا فيه ولله الحمد من خير وبركة فهو بفضل الله ثم بفضل دعاء والدتي ووالدي رحمهما الله تعالى، وكان والدي يقول لي الله يرضى عنك ويرضيك ويصلحك ويصلح لك ذريتك، أما الوالدة فهي دائمة الدعاء لي وهي الوحيدة التي كانت تغمرني بعطفها وحنانها وبعد وفاتها شعرت أنني قد كبرت، فاللهم أجزهما عني خير الجزاء.
حبيب الشعب
* شخصية تشد اهتمامكم؟
- يشد اهتمامي في هذه الأيام الصعبة والفتن الكثيرة حبيب الشعب خادم الحرمين الشريفين أبو متعب -حفظه الله- من كل شر ومكروه ومتعنا بحياته وفي هذه الأيام يمر العالم والشرق الأوسط خصوصًا بحروب ومصائب شتى كما أن دول الخليج الجميع يطمع فيها لما بها من خيرات، وأرى الملك عبدالله حبيب الشعب كالجبل الأشم ثابت وقوي بدينه وعقيدته وصدقه فالملك عبدالله والله على ما أقول شهيد لا يعرف الكذب فقد يقول قائل أنني أريد أن أتملق وأتقرب إليه أو إلى غيره من ولاة الأمر فأقول لهم: إنني بلغت من العمر 62 عامًا ولا أرغب في أي عمل وليس لدي استعداد للخروج من مكة المكرمة ولكن الملك عبدالله له في عنقي بيعة شرعية فأنا وأولادي والملايين من الشعب يفدون الملك عبدالله بأرواحهم لأن الملك شغله الشاغل وطنه وشعبه.
* قرار توقفتم أمامه طويلا؟
- القرار الذي توقفت أمامه طويلًا هو تركي لهيئة الرقابة والتحقيق والعمل في المحاماة وهو نفسه القرار الذي لو استدار الزمان لرجعت فيه لأنني كنت أرغب العمل في بيع وشراء العقار ولكن زميلي القديم المحامي الكبير محمد فالح حجاج هو الذي نصحني بالعمل في المحاماة والحمد لله قدر الله وما شاء فعل، وها أنا اليوم أفكر في اعتزال المهنة، وخاصة المرافعة في المحاكم بجميع أنواعها أما الاستشارات واللوائح فقلبي قبل مكتبي مفتوح لمن يثق بي ويحضر إليّ.
المصدر : صحيفة المدينة