لمحات موجزة في تاريخ الحسبة في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه
إعداد: عبدالله بن علي المبارك
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, وبعد، لقد جاء الدين الإسلامي معظما لأمر الاحتساب وقدوتنا في ذلك محمد صلى الله عليه وسلم ثم سار على نهجه صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، وفيما يلي مقتطفات يسيرة وموجزة عن تاريخ الحسبة في عهد علي بن ابي طالب رضي الله عنه، والذي لا يخفى فضله ، فقد كان رضي الله عنه مستشعرا أن وظيفة المحتسب لا يمكن إهمالها أو التغافل عنها مهما كانت الظروف كونها ركيزة أساسية للمجتمع المسلم في كافة المجالات.
وقد أردت أن تكون المشاركة بعيدة عن الاسهاب ومركزة في النقاط وخفيفة على القارئ ومناسبة للطرح كمشاركة في هذا المجلس المبارك فقد قمت بالاختصار من هذا البحث قدر الامكان، حيث جاء تقسيمه كالتالي:
المطلب الأول : قيامه بالاحتساب بنفسه:
نجد أن عليا رضي الله عنه - كان حريصا على مباشرة الحسبة بنفسه وفي مجالات متعددة , ومن هذه المجالات:
أولاً- احتسابه على اللباس والزينة والهيئة:
عن أبي مطر قال: "خرجت من المسجد فإذا رجل ينادي من خلفي: (ارفع إزارك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلما)"(1).
ثانيا : احتسابه في السوق:
أ- احتسابه على باعة اللحم:
" عن الحسن بن جرموز عن أبيه قال: رأيت علياً وهو يخرج من القصر وعليه قبطيتان إزار إلى نصف الساق ورداء مشمر قريب منه، ومعه درة له يمشي بها في الأسواق ويأمر الناس بتقوى الله وحسن البيع ويقول: (أوفوا الكيل والميزان، ويقول: لا تنفخوا اللحم)"(2).
ب- احتسابه على من يحلف في البيع:
عن أبي مطر أن عليا قال: (...بيعوا ولا تحلفوا فإن اليمين تنفق السلعة وتمحق البركة...)(3).
ج- احتسابه في رد حقوق الضعفاء:
عن أبي مطر أن علياً رضي الله عنه" ...أتى أصحاب التمر فإذا خادم تبكي فقال: ما يبكيك ؟ فقالت: باعني هذا الرجل تمرا بدرهم فرده موالي فأبى أن يقبله، فقال له علي: خذ تمرك وأعطها درهما فإنها ليس لها أمر، فدفعه...ثم قال الرجل: أحب أن ترضى عني يا أمير المؤمنين، قال: ما أرضاني عنك إذا أوفيت الناس حقوقهم، ثم مر مجتازا بأصحاب التمر فقال: يا أصحاب التمر أطعموا المساكين يرب كسبكم"(4).
د- احتسابه على باعة السمك:
عن أبي مطر أن عليا رضي الله عنه "...مر مجتازا ومعه المسلمون حتى انتهى إلى أصحاب السمك فقال: (لا يباع في سوقنا طافي... )" (5).
هـ- احتسابه على الخمر:
روى أبو عبيد القاسم بن سلام أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه نظر إلى زرارة ، فقال : ما هذه القرية ؟ قالوا : قرية تدعى زرارة ، يلحم فيها ، تباع فيها الخمر ، فقال : أين الطريق إليها ؟ فقالوا : باب الجسر ، فقال قائل : يا أمير المؤمنين ، نأخذ لك سفينة تجوز مكانك ، قال : تلك سُخْرَة(6)، ولا حاجة لنا في السُّخْرَة ، انطلقوا بنا إلى باب الجسر ، فقام يمشي حتى أتاها ، فقال : عليَّ بالنيران ، أضرموها فيها فإن الخبيث يأكل بعضه بعضا ، قال : فاحترقت من غربيها حتى بلغت بستان خواستا بن جبرونا"(7).
المطلب الثاني: إسناده الحسبة لغيره:
ونجد أن عليا رضي الله عنه- قد أسند أمر الحسبة لغيره، ومن الأمثلة على ذلك:
1- عن عبدالملك بن عمير قال: حدثني رجل من ثقيف قال: استعملني علي بن أبي طالب على مدرج سابور، فقال: (لا تضربن رجلاً سوطاً في جباية درهم، ولا تتبعن لهم رزقاً ولا كسوة شتاءً ولا صيفاً، ولا دابة يعتملون عليها، ولا تقيمن رجلاً قائماً في طلب درهم, قلت: يا أمير المؤمنين، إذن أرجع إليك كما ذهبت من عندك, قال: وإن رجعت ويحك! إنما أمرنا أن نأخذ منهم العفر - يعني الفضل)"(8).
2- عن أبى الهياج الأسدي قال, قال لي علي بن أبي طالب: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته)(9).
المطلب الثالث: ملامح الحسبة في عهد علي رضي الله عنه
من ملامح الحسبة في عهد الخليفة علي بن أبي طالب- رضي الله - أن عهده كان عهد فتن وقلاقل إلا أن هذا الأمر لم يثنيه عن القيام بالحسبة بنفسه أو إسنادها لغيره كما في الأمثلة السابقة؛ كل ذلك استشعار منه أن وظيفة المحتسب لا يمكن إهمالها أو التغافل عنها مهما كانت الظروف كونها ركيزة أساسية للمجتمع المسلم في كافة المجالات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين,,,,
=====================
الحواشي
(1) البداية والنهاية , ابن كثير, 8/4, تحقيق علي شيري, دار إحياء التراث العربي, ط1,1408هـ.
(2) البداية والنهاية , ابن كثير, 8/4, تحقيق علي شيري, دار إحياء التراث العربي, ط1,1408هـ.
(3) المرجع السابق 8/5.
(4) المرجع السابق 8/5.
(5) المرجع السابق 8/5.
(6) (السُّخْرَة): في اللغة ما تسخرت من دابة أو خادم بلا أجر، ويقال سخره تسخيرا: أي كلفه عملا بلا أجر ولا ثمن, ويفهم من هذا أن (السخرة) في هذا الأثر : هي السفينة الموضوعة بلا أجرة، أنظر: المحيط في اللغة,1/248، الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية, إسماعيل الجوهري, 2/680, ت:أحمد عبدالغفور عطار, دار العلم بيروت, ط:1407هـ .
(7) كتاب الأموال, أبوعبيد القاسم بن سلام, تحقيق: خليل هراس,125-126, دار الفكر بيروت.
(8) أسد الغابة , الجزري,2/296.
(9) صحيح مسلم, باب الأمر بتسوية القبر, 3/61(2287), دار الجيل.
جزاكم الله خيرا