كيف عاقب السلف مدَّعي الانتساب للبيت النبوي زوراً ..... بالضرب والتشهير وحلق الرؤوس
مازن البحصلي البيروتي
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه .
أما بعد، فلا خفاء أن معرفة الأنساب من الأمورالمطلوبة، والمعارف المندوبة؛لما يترتب عليها من الأحكام الشرعية، والمعارف الدينية (1)،وحفظ الحقوق المادية. وقد جعل الله تعالى جزءًا منه تعلمه لا يسع أحدًا جهله، وجعل تعالى جزءًا يسيرًا منه فضلاً تعلمه، يكون من جَهِلَه ناقص الدرجة في الفضل . وكل عِلم هذه صفته فهوعِلم فاضل ،لا ينكر حقه إلا جاهلأ ومُعاند(2). قال ابن عبد البر (ت463هـ): «ولعمري ما أنصف القائل إن علم النسب علم لا ينفع، وجهل لا يضر«(3).
وقد وقعت في القرن الثالث حادثة ادعاء لولا معرفة علم النسب لراج هذا الادعاء، وقصة هذا الادعاء أن صاحب الزنج الكافر علي بن محمد بن عبد الرحيم العبقسي من عبدالقيس صليبة (ت270هـ)، ادعى أنه من ذرية أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وعندما خرج علي بن أحمد بن عيسى الصريح نسبًا على صاحب الزنج ترك الانتساب إليه، ثم ادعى صاحب الزنج أنه علي بن محمد بن يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وعليٌّ بن محمد حينئذ حي قائم بالكوفة، قال ابن حزم (ت456هـ): «فلولا علم النسب لجاز لهذا الكافر ما ادعى من هذا النسب الشريف«(4) .
قال المؤرخ السخاوي (ت902هـ) عقب سرده لأحاديث الوعيد لمن انتسب إلى غير أبيه : «ومن هنا توقف كثير من قضاة العدل عن الدخول في الأنساب ثبوتًا أو انتفاءً ،لا سيما نسب أهل البيت الطاهر المطهر. وعجيب من قوم يبادرون إلى إثباته بأدنى قرينة وحجة موهمة ! يسألون عنها يوم لاينفع مالٌ ولابنون إلا من أتى الله بقلب سليم «(5).
وما أشبه الليلة بالبارحة، وكأن السخاوي - رحمه الله - يتحدث عن زماننا؛ فلقد نبتت نابتة فيهذه الأيام ممن لا يخافون الله ؛ أثبتوا اللصيق ، ودسوا الدخيل على أنه الأصيل، وكم نسمع بـ " الشريف فلان " أو " فلان الحسني " أو " فلان الحسيني " ، وهم كذبة في ادِّعائهم النسب النبوي، لكن الله - عز وجل - الذي »أجرى العادة بأن لا يفضح أحدًا من أول مرة»(6) سيفضح هؤلاء.
قال الفقيه الهيتمي (ت973هـ) : «ينبغي لكل أحد أن يكون له غيرة على هذا النسب الشريف وضبطه حتى لا ينتسب إليه أحد إلا بحق «(7).
وتظهر وقفة العلماء والقضاة والنَّسَّابة والسلاطين الجليلة أمام محاولات التصاق الأدعياء بأنساب آل البيت في الآثار التالية :
1 - قال المؤرخ المسبحي (ت420هـ) في أحداث سنة (٤١٤هـ) : «وفي مستهل شهر ربيع الآخر بيوم الخميس ، ضُرِب رجلٌ يدّعي الشرف ، وطيف به على جمل» (8).
ولقد كان النقباء يحلقون رؤوس الأدعياء ويكوون جباههم (9)،
2 - قال البيهقي (ت٥٦٥هـ) : «أبو الحسن الحجازي ، عبد نوبي ، ادَّعى نسب علي بن الحسين بن زيد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن الحسن بن إسماعيل بن جعفر بن محمد الباقر ، وشهد العدول عند الوليد بن المغيرة المكي النساب بركاب خوارزم أن هذا الرجل عبد نوبي ، وكانت العلامة ظاهرة ، فحلق رأسه ووضع المكواة على جبينه »(10) .
3 -ادعى رجل نسب الحسين بن الحسن بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر، فشهد العدو لأنه أصفهاني مؤدب، فأخذ الرجل وحلق رأسه ووضعت المكواة على جبينه (11)
.
4 - ادّعى رجل اسمه أو كنيته أبو الفتوح أنه ابن السيد أبي يعلى زيد، وأخ السيد أبي القاسم فخر الدين سيد الحاج والحرمين علي بن زيد المقيم بفريوند؛ فأمر السيد أبو يعلى زيد بن علي العالم بحلق رأسه ونفاه وما أثبت نسبه»(12).
5 - وقد أنكر ووبخ الملك العادل محمد الأيوبي الكردي - أخو السلطان صلاح
الدين الأيوبي - ادعاء ابن أخيه صاحب اليمن إسماعيل بن طغتكين النسب القرشي ،
قال ابن خلكان (ت681هـ) : «كان الملك المعز إسماعيل أهوج
كثير التخليط بحيث إنه ادعى أنه قرشي من بني أمية وخطب لنفسه
بالخلافة وتلقب بالهادي ، فلما سمع عمه الملك العادل ذلك ساءه وأهمه
وكتب إليه يلومه ويوبخه ويأمره بالعودة إلى نسبه الصحيح ، وبترك ما ارتكبه مما يضحك الناس منه «(13).
============================
(1) «قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان» (ص7)
(2) «جمهرة أنساب العرب»(ص 2).
(3) «الانباه على قبائل الرواة» (ص55).
(4) «جمهرة أنساب العرب» (ص57).
(5) «استجلاب ارتقاء الغرف» للسخاوي (2/632)، «الصواعق المحرقة» (2/689) وانظر (2/647) واللفظ له.
(6) هذه الموعظة التي نسبها السيوطي في كتابه «تدريب الراوي»
(1/296) للصيرفي والسمعاني ، هي من كمال لطف الله وحلمه بعباده.
(7) «الصواعق المحرقة» (2/537).
(8) «أخبار مصر» (ص 56).
(9) قلت: كيُّ جباههم عمل غير مشروع.
(10) «لباب الأنساب» (2/723).
(11) «لباب الأنساب» (2/724).
(12) «لباب الأنساب» (2/726).
(13) «وفيات الأعيان» (2/524 ـ 525).