سيرة عجيبة لسلطان من سلاطين المغرب العلويين
اقتنيت البارحة كتاب: (أعيان القرن الثالث عشر) لخليل مردم بك، وقلبته وأنا في الطائرة عائدًا من الرياض لجدة، فشدني هذا الكتاب وخاصة سيرة السلطان الشريف محمد بن عبدالله العلوي الهاشمي(ت١٢٠٤هـ) الذي كان محبًا للعلماء والصلحاء وأهل الخير ولا يغيبون عن مجالسه، يسردون له كتب الحديث ويخوضون في معانيها إذ كانت له عناية كبيرة بذلك، فجلب من بلاد المشرق كتبًا نفيسة من كتب الحديث لم تكن بالمغرب، فألف بعد ذلك كتاب نفيس في مجلد ضخم التزم فيه أن يخرج من الأحاديث ما اتفق على روايته الأئمة أو ثلاثة منهم أو اثنان، فإذا انفرد بالحديث امام واحد أو رواه غيرهم لم يخرجه، وهذا لم يسبق إليه.
وحينما يجلس العلماء لديه يتأسف على عمره الذي قضاه بعيدًا عن الحديث ، ويتحسر على ما فاته من قراءة العلم أيام الشباب ولما فاته الاشتغال بفنون العلم في حال الصغر.
اعتكف هذا السلطان أولا على سرد كتاب التاريخ وأخبار الناس وأيام العرب ووقائعها إلى أن تملى من ذلك وبلغ فيه الغاية القصوى، وكاد يحفظ ما في كتاب الأغاني من كلام العرب وشعراء الجاهلية والإسلام .
ولما تولى الملك زهد في التاريخ والأدب بعد التضلع بهما، وأقبل على سرد كتب الحديث والبحث عن غريبها وجليها من أماكنها ، ومجالسة العلماء والمذاكرة، ورتب لذلك أوقاتًا مضبوطة لا تنخرم.
وكان يرى أن اشتغال طلبة العلم بقراءة المختصرات في فن الفقه وغيره وأعراضهم عن الأمهات المبسوطة تضييع للأعمار، وكان ينهى عن ذلك.
وكان ينهى عن قراءة كتب التوحيد المؤسسة على القواعد الكلامية على مذهب الأشعرية ، وكان يحض الناس على مذهب السلف من الاكتفاء بالاعتقاد المأخوذ من ظاهر الكتاب والسنة بلا تأويل، وكان يقول عن نفسه: أنا مالكي مذهبًا، حنبلي اعتقادًا.
وكان من الشجعان يباشر الحروب بنفسه ويهزم الجيوش بهيبته، ضرب الضرائب على أكثر دول أوربا ، وكانوا يستجلبون مرضاته بالهدايا والالطاف لقوته وهيبته، وفدت عليه رسلهم يطلبون مسالمته في البحر فعمت مسالمته أجناس النصارى كلهم الا الروس فإنه لم يسالمهم لمحاربتهم السلطان العثماني .
أنفق في الجهاد ما لا يحص ، وأنفق في فكاك أسرى المسلمين أكثر من ذلك حتى لم يبق ببلاد الكفر أسير لا من المغرب ولا من المشرق، فرحمه الله وأحسن إليه.
كتبها
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
18 - 5 - 1436هـ
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
18 - 5 - 1436هـ