المركاز ودوره في الحياة الأدبية في مكّة المكرمة من جيل شحاتة إلى جيل التّيجاني
الأربعاء 11/02/2015
الأربعاء 11/02/2015
* احتلّ حيّ المسفلة بمكّة المكرمة مساحة هامة في وجدان جيل الروّاد من أمثال؛ شحاتة، والسرحان، ومحمد سعيد العامودي، وأحمد قنديل، وحسين عرب، وعزيز ضياء، ومحمد حسين زيدان، وعبدالله عريف، وعبدالسلام الساسي، وسواهم؛ فلقد كان هذا الجيل ومن أتى بعده يجدون متعة بالغة في الجلوس في مقهى «عبدالحي»، نسبة إلى أحد رجالات الحي المعروفين الشيخ صالح عبدالحي. ويشير الأستاذ عزيز ضياء في مقدمته لديوان حمزة شحاته إلى المساجلات الأدبية التي كان يشهدها المركاز في الحقبة الماضية، أو العصر الذهبي للحركة الأدبية في المملكة العربية السعودية منتصف القرن الهجري الماضي.
* يقول الرائد عزيز: «ولعلي لا أنسى أنّ الأستاذ عبدالسلام الساسي - رحمه الله -، وكان من المدمنين أو الحريصين على ألا تفوتهم جلسة (المركاز) في رياض المسفلة، فقد حفظ هذه القصيدة كما يحفظ غيرها، فلا نكاد نجتمع ويوضع على المنضدة برّاد الشاي حتى يردد الساسي أحد أبيات هذه القصيدة - أي قصيدة شحاتة - مازحًا او مثيرًا لشهية الحوار.. فنسمعه يقول:
أنت حرٌّ والحسن لا يعرف القَيْـ
ـد فصادر حرّيتي وانطلاقي
لم يكن باليسير صبري على عَسْـ
ـفك لو أنّني طليق الوثاق
وفي موضوع آخر يشير الرائد عزيز ضياء إلى قصيدة أبدعها شحاته أيضًا والتي يقول فيها:
يا حبيبي يا ملتقى السّحر والفتـ
ـنة يا غالبي على أمر نفسي
فيقول رحمه الله معلقًا عليها: «ولا أذكر الآن من ذلك الرّعيل الذي عاش مركاز المسفلة، يذكر ذلك المساء الذي ظهرت فيه تلك القصيدة التي لا تزال في تقديري تعد أروع وأحفل شعره بمعانٍ أثارت الكثير الكثير من الحوار والنقاش حين وجد من قال: «إنه متأثر فيها بالشريف الرضي، ومن نفى التأثير كليًا مصرًا أنها فريدة من فرائد الشعر العربي».. [انظر الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ حمزة شحاتة، ج1، ص: 298-299]. ويبدو ممّا نقلناه عن الأستاذ عزيز عن المركاز أنّ شعر شحاتة، وكان الشاعر عندئذ لم يبارح إلى مصر، يمثّل محورًا أدبيًا ونقديًا هامًا عند مجايليه من أدباء تلك الحقبة. كما حفلت بعض القصائد التي قيلت في رثائه وتضمنها كتاب الأديب محمد صالح باخطمة «حمزة شحاتة أيام معه»، بالإشارة إلى ذلك المركاز الأدبي. فهذا الشاعر أحمد قنديل يقول في رائعته في رثاء صديق عمره شحاتة:
ونسعى إلى «المركازِ» ليلاً بلهفةٍ
نمدّ له كعبًا تشدِّد بالكعبِ
نُديرُ شؤونَ الرَّأي جدًا أعدته
إليك مزاحًا فالدعابةُ من دأبي
فنحيا كما نهوى الحياة نظنّها
لدى مجمع المركاز مدرسة الشَّعبِ
ثم يمضي في رثائه متحسرًا على ذلك الزّمن الجميل الذي اختفى مع أهله خلال حوار يُنْشُئه مع البلدة الطاهرة:
فإنْ نحن قلنا كيف أصبحتِ، أطرقتْ
وقالت: من ذا أنتما في المدى الرَّحبِ؟؟
فقلنا على بُعدٍ.. يوجْد وغُصّةٍ
مُحبّين، قالت.. فات ركبكُما ركبي
تعالي إلىَّ روحًا وراحة
وذكرى لعلي أذكر الصّعبَ بالصَّعبِ
فما لي بالمركاز علم لعلّه
بقايا عزاء الأمس من أمسِنا العَذبِ
وتضيء قصيدة رثاء أخرى أبدعها الشاعر محمود عارف عند وفاة شحاتة عام 1391هـ جوانب من حياة هذا الرائد «شحاتة» بين مدينتي مكة المكرمة وجدة.. ويشكّل الحوار ثيمة أساسية في بناء هذه القصائد؛ يقول عارف:
أين نجواكِ التي قد صوّرت
جدة، واللّيل مَسْدولُ الرّداءِ؟
أين سلواك التي قد خلّدت
ذكرياتٌ في لياليك الوضاء
ذكرياتٌ زخرفتها مُلَحٌ
ونكاتٌ بين إخوان الصّفاء
شهد المركازُ منها طَرَفًا
في النّقا بين كُديٍّ وكُدَاءِ
ويتردّد في بعض أشعار شحاتة ذكر «مقهى خليل». كما حدّثني أيضًا الصّديق الأديب محمد عمر العامودي بأنّ «مقهى باجراد» هو الآخر كان بمثابة منتدى لجيل الروّاد، كما هو الشأن مع «مقهى كاظم» في جدة، و»أحمد طوال» في مدخل المدينة المنورة، و»مقهى بورسعيد» في الطائف، ولعلّ شيئًا من هذه الشجون تداعى إلى الذّهن عندما كان لي شرف قبول دعوة منتدى الأستاذ والمربّي بكر أحمد تيجاني ورفاقه من الإخوة الأساتذة والإعلاميين؛ بكر سلمان، ومختار عبدالرشيد، والدكتور محمود كِسْنَاوي، وبكر عبدالقادر، وعثمان مدني، ومحمد إمام فلاتة، معهم تذكّرت جيلاً من الرّجال الذين كان يتّسمون بالنّخوة، والشّهامة، وصدق الرّحالة ريتشارد بيرتون عندما قال في مدوناته بأنّ المكيَّ أوّاب بطبيعته. وأضيف: وشهم وغيور وصريح.
المصدر : ملحق اللأربعاء لصحيفة مكة