• ×

جبـل حـراء

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
جبل حراء

يعتبر جبل حراء أحد أهم جبال مكة المكرمة. ففي غاره تعبد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة المحمدية، وفيه بدأ نزول الوحي ، ومنه انطلقت الرسالة المحمدية، ويقع هذا الجبل الذي يحكي جزءاً هاماً من تاريخ البلد الأمين في شمال مكة المكرمة مقابل جبل ثبير وهو فريد في شكله بين الجبال ويعرف اليوم بجبل النور.ولقد اهتمت المصادر التاريخية القديمة والحديثة بهذا الجبل وتاريخه نستعرض جزئاً مما ورد في بعضها بتصرف.
فقد عرف ابن منظور في لسان العرب الغار بأنه \" مغار في الجبل كالسرب ، وقيل الغار كالكهف في الجبل ، والجمع غيران\" أما إبراهيم القادري في كتابه (غار حراء وغار ثور) يقول أن الغار في اللغة هو \" البيت المنقور في جبل إذا صغر ، فإن كبر فهو كهف\" ويذكر أن حراء \" اسم الجبل الذي فيه الغار ، ويسمى جبل النور أيضا\" كما يقول القادري أن حراء هو \"التجويف الحاصل من تسان الصخرتين الكبيرتين في ذروة الجبل المطلة على الكعبة المشرفة\". وقد حدد القادري موقع حراء بانه \" في الشمال الغربي من مكة المكرمة وهو على ثلاثة اميال من الكعبة المشرفة ، على يسار الذاهب مدينة الطائف في طريق السيل\" ثم يصف الغار فيذكر بان \" طول الغار اربعة اذرع ، وعرضه ذراع وثلاثة ارباع ذراع من ذراع الحديد\"
اما المؤرخ المعاصر العلامة الشيخ عاتق بن غيث البلادي فيذكر ان حراء \" هو الجبل الشامخ ذو الرأس الأزلج المقابل لثبير الاثبره من الشمال بينهما وادي افاعية ياخذه (افاعية) الطريق من مكة الى الشرق مارا باليمانية ، فيه الغار الذي كان يتعبد فيه صلى الله عليه وسلم وفيه نزلت عليه اول سورة من القران الكريم\" ويبين البلادي أن حراء كان يسمى \" ثبيراً الأعرج ، ويسمى اليوم جبل النور ، يسيل منه الى الغرب وادي جليل ، وقد وصل اليوم عمران مكة الى سفوحه الغربية \" كما يذكر البلادي أن حراء يرتفع 200 متر عن سطح البحر ، وبسفحه الجنوبي اثار عين الزعفران ، وهي من العيون التي اجرتها السيدة زبيدة الى مكة ثم انقطعت.
اما العلامه الشيخ محمد طاهر الكردي المتوفي عام 1400م -1980م ذكر في (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم ) أن حراء \"جبل بأعلى مكة على يسار الذاهب منها إلى منى يرتفع (634) متراً وعامة أهل مكة يسمونه \" جبل النور\" . ويذكر الكردي أن أسم الجبل القديم ( حراء) وأن أهل مكة أصبحوا يسمونه (جبل النور) وأنه \" على يسار الذاهب إلى منى , وهو جبل معروف عال , قمته تشبه الطربوش الذي يلبس في الرأس , أو كسنام الجمل الأصيل السمين , أو كالقبه الملساء , فلا يوجد جبل بمكة يشبه جبل حراء , فهو بين الجبال فريد الشكل والصورة \".
ونقل الكردي وصف ابراهيم رفعت باشا لغار حراء أنه \" عبارة عن فجوة بابها نحو الشمال تسع نحو خمسة أشخاص جلوساً , وارتفاعه قامة متوسطة \".
وكان ابراهيم رفعت باشا في كتابه \" مرآة الحرمين \" قد وصف جبل حراء الذي زاره عام 1318هـ - 1901م , فقال: \" فوصلنا إليه بعد خمسين دقيقه بالسير المعتاد , وهذا الجبل يقع في شمال مكة على يسار الذاهب إلى عرفات بعيداً عن جادة الطريق بنحو ميل \". ثم يصف تجربته في صعود الجبل قائلاً: \" وقد صعدنا هذا الجبل في 35 دقيقة , وأنه يكاد يكون عمودياً , فلذا كان صعب المرتقى , واضطررنا إلى الاستراحة مرتين أثناء الصعود \" .
كما أن الرحالة عبدالله بن محمد العياشي المتوفي سنة 1090هـ بعد وصولة إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج , وعندما تسنى له زيارة حراء فوصفه قائلاً: \" هو جبل بأعلى مكة على ثلاثة أميال منها .. وأن الغار في أعلاه من الناحية الغربية الموالية لمكة \". ثم وصف طلوعه الجبل قائلاً: \" وقد خرجت لزيارته مع جماعة من أصحابنا في احدى ليالي ذي القعدة سحراً ، وصلينا الصبح بعدما تجاوزنا بيوت مكة كلها ووصلنا اعلاه عند طلوع الشمس ، وهو مع صعوبته قد سويت طريقه\" كما ذكر ان الدابة \" يمكنها الصعود براكبها الى أعلاه\". ثم تحدث العياشي عن مساحة الغار فذكر انه صغير جداً يسع ثلاثاً أو اربعاً فيما أظن\" واستطرد قائلاً \" أن باب الغار منتكب على ناحية الشمال\". ثم ذكر \" أن الجالس في الغار يرى الكعبة\".
وجاء في كتاب (الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) لابن ظهيرة المتوفى سنة 986هـ - أن \"الغار الذي بحراء مستقبل القبلة من غير انحراف وليس غيره كذلك\".
كما ورد في كتاب ( شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام) من تأليف قاضي مكة الطيب تقي الدين بن أحمد بن علي الفاسي المالكي ، المتوفى عام 832هـ ، الذي حققه عمر عبدالسلام ، أن نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم كان في حراء في غار فيه.
وذكر الفاسي أن هذا الغار \" بأعلى حراء في مؤخره وهو غار مشهور\". كما نقل الفاسي عن أبي عبيدة البكري أن حراء \" جبل صعب المرتقى لا يُصعد إلى أعلاه إلا من موضوع واحد على رصفه ملساء ، في جميع جوانبه منقطع لا يرقاه راق\".
ونقل الفاسي عن ابن جبير أن \"من جبال مكة المشهورة جبل حراء ، وهو في الشرق منها على فرسخ او نحوه\" ونقل كذلك عن ابن بير في موضع آخر من رحلته عن حراء \"أنه في مكة على ثلاثة أميال\".
أما ياقوت الحموي ، المتوفى عام 626هـ فتحدث عن حراء في (معجم البلدان) قائلاً : إن \" حراء بالكسر والتخفيف والمد ، جبل من جبال مكة على ثلاثة أميال وهو معروف ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه\" ويستشهد الحموي بقول جرير :
ألسنا أكرم الثقلين طراً واعظمهم ببطن حراء ناراً

وذكر الحموي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان \" قبل أن يأتيه الوحي يتعبد في غار من هذا الجبل\" وبيّن أن ثبيراً \"جبل شامخ يقابل حراء وهو جبل شامخ أرفع من ثبير في أعلاه قُلة شامخة زلوج\".
أما الفاكهي مؤرخ مكة المكرمة الشهير وأحد علماء القرن الثالث الهجري صاحب كتاب( أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) والذي قام معالي الدكتور عبدالملك بن دهيش جزاه الله خيراً بتحقيقه فقد أورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم \" كان يختبيء في جبل حراء من أذى المشركين\".
كما ورد ذكر هذا الجبل في أحد أهم وأقدم المصادر التاريخية عن البلد الحرام ، (أخبار مكة وما جاء فيها من الأثار) لأبي الوليد محمد بن عبدالله بن احمد الأزرقي المتوفى سنة 250هـ نقلاً عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن صلى الله عليه وسلم \" حُبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث أي يتعبد فيه\".
وكان قد تيسر لي أن أتسلق بعض من جبال مكة المكرمة مثل جبل النور وغيره وأن اشاهد غار حراء في واحدة من عدة رحلات علمية قمت بها في معية رفقة أعزاء منهم معالي الدكتور أحمد محمد علي وسعادة السيد أمين عطاس والدكتور سامي عنقاوي والدكتور أنور عشقي والدكتور عادل بشناق وغيرهم من الأفاضل.
رحلات لا تزال تنثر عطرها في الذاكرة ومما سرني في رحلتي الى حراء أنني وجدت معظم ما ذكر في المصادر التاريخية عنه يتفق الى حد كبير مع ما شاهدته في رحلاتي لهذا الجبل التاريخي.
بقلم
الدكتور عدنان بن عبدالبديع اليافي
26/8/1429هـ 27/8/2008م



بواسطة : hashim
 0  0  10791
التعليقات ( 0 )

-->