مواقف تروى للمرة الأولى مع الملك سلمان بن عبدالعزيز
للدكتور عبدالله بن محمد المنيف
الإثنين، ٢٦ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
للدكتور عبدالله بن محمد المنيف
الإثنين، ٢٦ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
يسرد هنا وكيل عمادة المكتبات في جامعة الملك سعود الأستاذ المشارك في قسم الآثار الدكتور عبد الله المنيف لـ«الحياة»، عدداً من المواقف مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان في أكثر من مناسبة، والدكتور المنيف بحكم اهتماماته كباحث ومؤرخ كثيراً ما يلتقي شخصيات مهمة ورجال دولة، يدخل معهم في نقاش وسجال أحياناً حول بعض المواضيع التي تتعلق بالتاريخ والتوثيق. وهي مواقف متفردة ونادرة، وبالتأكيد تدل على شخصية فريدة من نوعها، ونعني خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، عندما يتقبل بصدر رحب الملاحظات ويدخل في نقاش هادئ مع باحث في مقتبل العمر والتجربة، إلى نص مقال الدكتور عبدالمنيف:
رحم الله عبدالله بن عبدالعزيز، ووفق الله خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز، الذي حمل الراية بعد أخيه بكل اقتدار، اللهم وفقه وسدده، واجعله خيراً للبلاد والعباد، ثم ماذا عساي أن أكتب عن خادم الحرمين الشريفين الذي تشرفت بلقائه أكثر من مرة، لعلي أكتبها مرتبة تاريخاً، ذاكراً فيها بعض ما استفدته منه من توجيه ونصح، فكان أول لقاء لي بسيدي خادم الحرمين الشريفين عندما كان أميراً للرياض ورئيساً لمجلس الأمناء بمكتبة الملك فهد الوطنية، فقد أقامت المكتبة معرضاً عن الرياض بعنوان: «الرياض.. وثائق وتاريخ»، شمل وثائق وكتباً وصوراً، وكان من محاسن الصدف أن كلفت بأن أشرح لخادم الحرمين الشريفين بعضاً من تلك الوثائق، وما تحويه من معلومات، فكان أن استوقفني وثيقة موقعة من خادم الحرمين عندما كان أميراً على الرياض ذات توجه أن يكون العمل في شهر رمضان لجميع موظفي الدولة بالرياض ليلاً، إلا أن خادم الحرمين ذكر أن ذلك كان لسنة واحدة فقط، وأنها تجربة لم يكتب لها النجاح فعدلنا عنها، والذي أعجبني أنه كان حاضر الذهن والتعليق على كل وثيقة من الوثائق التي سبق أن وقّع عليها سابقاً، وتذكره لتفاصيلها وخلفياتها كأنه قبل أيام لا عقود.
ولعل أجمل ما استوقف خادم الحرمين الشريفين في تلك الزيارة أمران، الأول هو أنه وجد وثيقة من الوثائق التي تحتفظ بها المكتبة، والتي تؤكد بما لا يدع مجال للشك أن مولد خادم الحرمين كان في عام 1354هـ، وقد فرح يحفظه الله بتلك الوثيقة، والموقف الآخر هو عندما مر خادم الحرمين الشريفين على عدد من الوثائق وعليها شروح وتعليقات بخط الملك عبدالعزيز، وهنا كان حوار بيني وبينه في شأن التعليقات التي بخط الملك عبدالعزيز، إذ توقف عندها وأخذ يتساءل عن طبيعة التعليقات، وقال يحفظه الله قد لا يكون هذا خط الملك عبدالعزيز، وإنما شروح من إملائه، وهنا قلت له بل هي بخط يده وأن مكتبة الملك فهد الوطنية تحتفظ بالعشرات من هذه الوثائق.
وفي الجانب الآخر من مكان المعرض كانت هناك زاوية أخرى مقابلة عرضت فيها صور شخصية لخادم الحرمين الشريفين وصور للرياض نفسها قديماً وحديثاً، ولكن مما لفت نظر خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله، هو تلك الصورة التي جمعته بإحدى الشخصيات المصرية، ووقع اختلاف في من هو الواقف مع خادم الحرمين الشريفين، وكان عمره كما ذكر 19 عاماً فقط، ودار نقاش حول اسم تلك الشخصية وذهبت أنا إلى اسم، وخادم الحرمين الشريفين ذكر اسماً آخر، ولما رأى تمسكي في موقفي، لم يزعل أو ينهرني لهذا الموقف بل التمس لي، وقال: يا ولدي تراها صورتي وليست صورتك». حينها أيقنت أن مثل هذه الشخصية، وبهذه القامة يستمع لمحاججتي ويتقبل الحوار معي محاولاً إقناعي، بل لم يكتف بذلك، وإنما اقترح علي أن اسأل الشيخ سعد الرويشد رحمه الله وغفر له، راغباً في إقناعي بالحجة لا بغيرها، فعندما أستذكر هذا الموقف، أقف مبهوراً أمام هذه الشخصية التي كان جديراً بها ألا يناقش أصلاً في أمر هو بالنسبة إليه من المسلمات، فلله دره من شخصية أبوية فذة.
وأختم تلك الذكريات بموقف استمر تقريباً طوال 10 سنوات، وهذا كان حين عملت على كتاب بعنوان: «أمراء الرياض خلال عهود الدولة السعودية» الذي صدر عام 1431هـ، من طريق أمانة منطقة الرياض، فقد كان لي شرف إخراج هذا الكتاب الذي وصفه خادم الحرمين حين صدوره بقوله: «إنه وثيقة مهمة» ترصد تاريخ تولي الأمراء على الرياض خلال تاريخ انضوائها تحت الدولة السعودية الأولى حتى تاريخ تركه للإمارة يحفظه الله. فقد استفدت في هذا الكتاب من خادم الحرمين أيما إفادة، فقد راجعه أكثر من ثلاث مرات وعلى مدد مختلفة، أضاف إليه من التصويب الكثير، ولعلي أذكر مثلاً أن الكتاب يتناول سير أمراء الرياض بشكل مختصر، أما الفصل الأخير فكان عن فترة تاريخ تولي خادم الحرمين للرياض، وكان هذا الفصل من أكبر فصول الكتاب، وبعد عرضه عليه قال لماذا هذا الفصل كبير والكلام فيه عن شخصيتي يكاد يطغى على بقية فصول الكتاب، لذلك اقترح عليّ أن يبقى الجزء المتعلق بتاريخ توليه على الرياض موازياً لغيره من الفصول من دون تمييز، وأعاد إليّ الكتاب بعد هذه الملاحظة التي أخذت بها، فكانت فعلاً ملحوظات منهجية تنم عن فهم ومعرفة لطبيعة الأعمال العلمية، التي يفترض فيها التوازن بين الفصول، وهو ما نُدرّسه في مناهجنا العلمية في الجامعات اليوم.
وبهذا أختم بعضاً من المواقف التي مرت بي وتشرفت فيها بما عرضته آنفاً، وأعرض صفحاً عن موقف آخر في وقت آخر حين طلب لقائي في مكتبه في إمارة الرياض، وقد سمح لي من وقته الثمين بثلث ساعة أفدت منها الكثير، أطال الله في عمره وسدده وجعله خيراً للإسلام والمسلمين إنه ولي ذلك والقادر عليه.