جاء تعيين الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي كبيراً لسدنة المسجد الحرام ليصبح السادن رقم 109 منذ أن انطلقت قبل 16 قرناً على يد قصي بن كلاب الجد الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أسكن قريشاً بمكة وأخرج منها خزاعة، وكان سيد قريش، وفي نسله البيت والعدد.
وسدانة الكعبة مهنة قديمة، وتعني العناية بالكعبة المشرفة والقيام بشؤونها من فتحها وإغلاقها وتنظيفها وغسلها وكسوتها وإصلاح هذه الكسوة إذا تمزقت واستقبال زوّارها وكل ما يتعلق بذلك. ومنذ أكثر من 16 قرناً، أي قبل بدء الإسلام، اختص أحفاد قصي بن كلاب بن مرة بسدانة الكعبة المشرفة، ومنهم نسل أبناء آل الشيبي سدنة الكعبة الحاليين.
ومنذ بناء إبراهيم عليه السلام الكعبة المشرفة، كانت السدانة بيد ابنه إسماعيل عليه السلام، الذي تولى رفع القواعد من البيت مع والده إبراهيم عليهما السلام، كما قال تعالى: )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( ثم اغتصبها منهم جرهم، ثم انتزعتها خزاعة، حتى استردها منهم قصي بن كلاب وهو من أبناء إسماعيل، وهو الجد الرابع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم صارت من بعده في ولده الأكبر عبد الدار، ثم صارت في بني عبد الدار جاهلية وإسلاماً، ولم تزل السدانة في ذريته حتى انتقلت إلى عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد الله بن عبد العزى بن عثمان ابن عبد الدار بن قصي، منذ أن أعاد لهم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مفاتيح الكعبة لهم، وقال: »خذوها يا بني أبي طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم«.
وكان عثمان بن طلحة سادن الكعبة، فلما دخل النبي مكة يوم الفتح، فطلب رسول الله المفتاح، فجيء بالمفتاح فتنحى ناحية المسجد فجلس رسول الله وقد قبض السقاية وسدانة الكعبة من العباس وأخذ المفتاح من عثمان، فدخل رسول الله البيت وصلى فيه ركعتين.
فلما خرج سأله العباس أن يعطيه المفتاح ليجمع له بين السقاية وسدانة الكعبة، فأنزل الله هذه الآية من القرآن الكريم: )إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا( ]6[ )سورة النساء، الآية 58(. فلما جلس رسول الله قال: » ادعوا إلي عثمان« فدعي له عثمان بن طلحة، وقيل إن رسول الله قال لعثمان وهو يدعوه إلى الإسلام ومع عثمان المفتاح فقال: لعلك سترى هذا المفتاح بيدي أضعه حيث شئت«، فقال عثمان: »لقد هلكت إذا قريش وذلت«.
فقال رسول الله محمد )صلى الله عليه وسلم(: »بل عمرت وعزت يومئذ «. فلما دعاني بعد أخذه المفتاح ذكرت قوله ما كان قال. فأقبلت فاستقبلته ببشر واستقبلني ببشر. ثم قال: » خذوها يا بني أبي طلحة تالدة خالدة لا ينزعها إلا ظالم يا عثمان إن الله استأمنكم على بيته. فكلوا بالمعروف«. قال عثمان: » فلما وليت ناداني فرجعت إليه. فقال: » ألم يكن الذي قلت لك؟« فذكرت قوله لي بمكة فقلت: بلى، أشهد أنك رسول الله" فأعطاه المفتاح.
وجرت العادة أن يوضع مفتاح باب الكعبة المشرفة لدى أكبر السدنة سناً، ويسمى السادن الأول، وعند فتح الكعبة يشعر السادن الأول جميع السدنة الكبار منهم، بوقتٍ كافٍ ليتمكنوا من الحضور جميعاً إن أمكن ذلك أو بعضهم ليقوموا بغسلها بمعية ولي الأمر وأمراء مكة.
وبالعودة للتاريخ كان قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن نزار بن معد بن عدنان القرشي أول من تسلم سدانة البيت ثم تسلمها من بعده ابنه عبدالدار، أكبر بني أبيه وخليفته في حجابة الكعبة، وبعد وفاته تولى السدانة ابنه عثمان بن عبد الدار، ثم ابنه عبد العزى بن عثمان، ثم أبو طلحة عبد الله بن عبد العزى العبدري، ثم تولى السدانة طلحة بن عبدالله الذي قُتل يوم أحد كافراً قبل أن يتولى السدانة عثمان بن طلحة الذي التقاه الرسول ومنحه حق السدانة له ولذريته حتى قيام الساعة.
منذ توحيد المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، تولى سدنة من ال الشيبي المهمة، وفقاً لموقع ويكيبيديا، وتوارثوها وفقاً للحديث النبوي دون أن يمسها أحد.
وكان كبير السدنة آنذاك الشيخ عبد القادر أفندي بن عليّ الثاني بن محمد السابع بن زين العابدين الشيبي والذي تولاها منذ عام 1335هـ وحتى عام 1351هـ ثم تولى المهمة بعده محمد بن محمد صالح بن أحمد بن محمد بن زين العابدين حتى عام 1382هـ والذي توفي ولم يكن له عقب.
فاتفق "آل الشيبي" على تعيين أمين أفندي بن عبد الله بن عبد القادر بن عليّ بن محمد السابع ككبير لسدنة البيت الحرام واستمر فترة عاماً حتى وفاته عام 1399هـ ، ثم خلفه شقيقه طه بن عبد الله بن عبد القادر الشيبي واستمر حتى عام 1407هـ ثم دانت مهمة كبير السدنة إلى أخيه أيضاً عاصم بن عبد الله بن عبد القادر الشيبي لمدة ستة أعوام حيث توفي واتفقت الأسرة المباركة على تعيين ابن شقيقه طلحة بن حسن بن عبد القادر الشيبي، والذي استمر كبيراً للسدنة حتى عام 1426هـ.
ثم تولى عبد العزيز بن عبد الله بن عبد القادر الشيبي لفترة قصيرة وتلاه عدنان أمين الشيبى قبل أن يتولى المهمة عبدالقادر بن طه بن عبد الله بن عبد القادر الشيبي، والذي توفي منذ ثلاثة أشهر وتم وفقاً للتقاليد المتبعة تعيين كبير السدنة الدكتور صالح بن زين العابدين الشيبي في ثالث أيام العزاء وتسليمه مفاتيح الكعبة