الجبل الأحمر
يقع أحد أهم جبال مكة والذي يعرف بالجبل الأحمر وكان يسمى في الجاهلية ( الأعرف) خلف جبل هندي في الجهة الشمالية الغربية للمسجد الحرام ويطل على حارة الباب والشامية ويفصل بين القرارة وحارة الباب في مكة المكرمة ، هذه المدينة المقدسة التي تتجه إليها أنظار المسلمين خمسة مرات يومياً.
ولقد ورد ذكر الجبال في القرآن الكريم في أكثر من سورة , قال الله تعالى (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) صدق الله العظيم [ق: 7]. والحديث عن الجبال له زوايا عديدة ، فهي معالم للبلدان وقد تقع في أماكن التعبد مثل جبل الرحمة بعرفات ، كما تستخرج المعادن منها ، وعليها تقام المنازل والمساكن ، وتزرع عليها البساتين كما في الطائف وضواحيها ، وقد يكون لبعضها تاريخ يحكي قصص المدن والمناطق المحيطة بها فتصبح جزءاً هاماً من ذاكرة تاريخ تلك المدن, والجبال تستهوي البعض من أمثالي لتسلقها والتعرف عليها عن قرب من خلال المشاهدات العصرية ومقارنتها مع ماورد في المصادر المتقدمة والمتأخرة عنها وصفاً وتكويناً.
وكأحد هواة تسلق الجبال شعرت بالفخر والإعجاب عندما قرأت ما جاء في جريدة المدينة وجريدة عرب نيوز وغيرها يوم الجمعة 23 مايو 2..8م عن المواطن السعودي فاروق سعد الزومان والذي تسلق قمة جبل إفرسيت أعلى قمة في العالم بارتفاع 8848 متراً كما ورد \" بالمدينة\" ضمن فريق ضم أمريكيين وكنديين وبريطانيين ومواطناً من سلطنة عمان الشقيقة ، في رحلة , ذكر أن الإعداد لها استغرق ستون يوماً فله ولزملائه التحية على هذا الانجاز.
ونظراً لأهمية أخشبي مكة المكرمة والذي يتضح قدمهما من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نقله الفاكهي في كتابه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : \" هذه حرمها الله تعالى يوم خلق السموات والأرض ووضع هذين الأخشبين \" ، فقد يكون من المناسب استكمال الحديث السابق عن الاخشبين. كما سبق وذكرنا فلقد أجمع المؤرخون على أن جبل أبي قبيس هو أحد أخشبي مكة بينما اختلفوا على أخشبها الثاني. فذكر البعض أنه \"قعيقعان\" بينما ذهب آخرون إلى أنه \"الجبل الأحمر\" وبغض النظر أيهما الأخشب الآخر فإن كلاهما من جبال مكة التي تروي تاريخها القديم. وكما تتغير دوماً أسماء الأماكن على مر الأزمنة - فدولة بورما أصبحت منيمار على سبيل المثال - كذلك تغير اسم الجبل الأحمر إلى جبل أجياد الصغير.
لذا فإن نظره سريعة على تاريخ هذا الجبل وحاضره قد تكون ذات فائدة في التعرف عليه وذلك من خلال المصادر التاريخية المتقدمة والمتأخرة.
يعرف الفيروزابادي في (القاموس المحيط) الجبل بأنه : \" كل وتد للأرض عظم وطال ، فإن انفرد : فأكمه أو قنه. والجمع أجبال\". أما ابن منظور صاحب لسان العرب فيقول أن الجبل : اسم لكل وتد من أوتاد الأرض إذا عظم وطال من الاعلام ، والأطواد ، والشناخيب ، وأما إذا صغر وانفرد فهو من القنان والقور والكم ، والجمع أجبال\".
يذكر الأزرقي من علماء ومؤرخي مكة المكرمة في القرن الثالث الهجري في أحد أهم وأقدم المصادر المتقدمه كتابه (أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار) والذي حققه رشاد ملحس أن (الجبل الأحمر) والذي كان يسمى في الجاهلية (الأعرف) هو \" الجبل المشرف وجهه على (قعيقعان) وعلى دور عبدالله بن الزبير هو ، أحد أخشبي مكة حيث يقول الأزرقي \" أخشبا مكة أبوقبيس وهو الجبل المشرف على الصفا ... والأخشب الآخر الجبل الذي يقال له الأحمر ، وكان يسمى في الجاهلية الأعرف\".
وفي مصدر قديم هام آخر هو (أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه) للإمام أبي عبدالله محمد بن إسحاق الفاكهي والذي قام بتحقيقه معالي الدكتور عبدالملك بن عبدالله بن دهيش يذكر صاحبه الذي عاش في القرن الثالث الهجري بأن الأخشب الآخر هو الجبل الذي يقال له : الأحمر. وكان يسمى في الجاهلية الأعرف. وهو الجبل المشرف وجهه على قعيقعان ، على دور عبدالله بن الزبير رضي الله عنه وفيه موضع يقال له :الجر والميزاب وإنما سمي الجر والميزاب لأن هنالك موضعين يشرف إحداهما على الآخر،والأعلى يصب في الأسفل، فاسم الأعلى : الميزاب. واسم الأسفل : الجر وفي ظهره الآخر موضع يقال له : قرن أبي ريش. وعلى رأسه صخرات مشرفات فوق الجبل الأحمر , يقال لها الكبش , عليها منارة يؤذن عليها . وفي ظهره موضع يقال له قراره المدحي ( وهي مازالت تعرف إلى اليوم بالقراره ) .
أما ياقوت المتوفي عام 626هـ في كتابه ( معجم البلدان ) فيعرف الاخاشب: بالشين المعجمه والباء الموحده فيقول \" الأخشب من الجبال الخشن الغليظ , ويقال هو الذي لا يرتقى \" .
كما قال عن الجبل الأحمر أنه: جبل مشرف على قعيقعان بمكة كان يعرف في الجاهلية بالأعرف .
كما يذكر قاضي مكة , المؤرخ محمد بن أحمد بن علي الفاسي المكي المتوفي عام 832هـ في كتابه (شفاء الغرام باخبار البلد الحرام ) والذي حققه الدكتور عمر عبدالسلام تدمري \" من الجبال المحدقة بمكة أخشباها وهما أبو قبيس والجبل الذي يقال له الأحمر\" ثم يستمر الفاسي قائلاً \" وذكر أبن الأثير والمحب الطبري في اخشبي مكة مثل ماذكره الأزرقي , وذكره القاضي عياض في المشارق , وياقوت في معجم البلدان , مايقتضي خلاف ذلك في الأحمر \" . فياقوت يرى أن الأخشب الثاني هو قعيقعان وليس الجبل الأحمر .
العلامة المكي الشـــيخ طاهر الكردي في مرجعه التاريخي الهـام ( التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم ) يرى أن الجبل الأحمر هو اخشب مكة الثاني إذ يقول في التاريخ القويم أنه في الحقيقة الأخشب الثاني هو \" الجبل الصغير الذي بإسفل قعيقعان المطل على الكعبة وهو الذي كان يسمى بالأحمر \" كما كان يسمى الجاهلية \"بالاعرف\" ولكن لما كثر السكان والبيوت بالجبل أختلط الجبلان ببعض فصارا كالجبل الواحد\" .
ويذكر العلامة المعاصر الشيخ عاتق بن غيث البلادي أن الجبل الأحمر جبل بمكة \" يتعلق فيه شعب جياد الصغير ويشرف على أبي قبيس من مطلع الشمس وهو أعلى منه , لونه يضرب إلى الحمره وهو منقاد في شكل عرف , يسمى اليوم جبل جياد الصغير \" .
وفي موضع آخر يقول البلادي \" الأحمر : بلفظ الأحمر من الألوان : اسم جبل مشرف على قعيقعان بمكة كان يسمى في الجاهلية (الأعرف)\".
هذا هو الجبل الأحمر كما ذكرته المصادر التاريخية ووصفته وحددت موقعه وذكرت أسماءه المختلفة جبل يحكي جزءاً من تاريخ البلد الأمين وقد يكون أحد أخشبيه.
بقلم
الدكتور عدنان عبدالبديع اليافي
الدكتور عدنان عبدالبديع اليافي
وشاكرين الجهود المبذوله في الموقع