( مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا ً) (الأحزاب:23)
د.محمد بن سعد الشويعر
إنّ مصعب بن عمير من السابقين إلى الإسلام، فهو مصعب بن عمير بن هاشم القرشي، العربي بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، يجتمع نسبه برسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي بن كلاب، ولما وقر الإسلام في قلبه، تحمّل في سبيله الشيء الكثير، وآثر محبة الله ومحبة رسوله صلى
الله عليه وسلم، على مباهج الدنيا وزخرفها، إذ كان قبل الإسلام من أرفه وأنعم فتيان مكة، لأنّ أمه كانت ثرية، وتغدق عليه، فترك ذلك وآثر شظف العيش، حتى يسلم له دينه.
قال الواقدي: كان مصعب بن عمر فتى مكة، شباباً وجمالاً وسبيباً، والسبيبة: الثوب الرقيق الناعم، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعظم أهل مكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: ما رأيت بمكة أحسن منه لمّة.. واللمّة: من شعر الرأس ما يصل إلى المنكبين، فإذا زادت فهي الحمّة، ولا أنعم من مصعب بن عمير، وروى محمد بن اسحاق عن صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد، عن سعد بن أبي وقّاص كان: كنا قوماً يصيبنا ظلف العيش وهو خشونته وشدّته بمكة، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أصابنا البلاء، اعترفنا ومررنا عليهن فصبرنا، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلّة مع أبويه، وأمه مليئة كثيرة المال، تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرميّ من النعال.
ثم لقد رأيته جُهدَ في الإسلام جهداً شديداً، حتى لقد رأيت حلّته يتخشّف كما يتخشّف جلد الحية. أي يتقبض ويتقلص (أسد الغابة: 5: 182).
قال عنه الزركلي: مصعب بن عمير، من بني عبد الدار القرشي صحابي شجاع من التابعين إلى الإسلام، أسلم في مكة وكتم إسلامه فعلم به أهله، فأوثقوه وحبسوه، فهرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، فكان أول من جمع الجمعة فيها وعرف فيها بالمقرئ، وأسلم على يديه أُسيْد بن حضير، وسعد بن معاذ، وشهد بدراً، وحمل اللواء يوم أحد واستشهد، وكان في الجاهلية فتى مكة، شباباً وجمالاً ونعمة، ولما ظهر الإسلام زهد بالنعيم، وكان يلقّب بمصعب الخير، ويقال فيه وفي أصحابه أنزل الله سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (23) سورة الأحزاب، وكانت وقعة أحد عام 3هـ (الأعلام للزركلي 8: 151).
وقد أخرج البخاري في مناقب الأنصار: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: من طريق شعبة عن أبي اسحاق قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أول من قدم المدينة علينا مصعب بن عمير، وابن مكتوم وكانا يقرآن القرآن للناس، فقدم بلال وسعد وعمّار بن ياسر، ثم وفد عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء، فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله، فما قدم حتى قرأت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، في سور من المفصّل (فتح الباري: 7: 260).
وفي إسلامه ذكر ابن سعد: أن مصعب بن عمير بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى الإسلام، في دار أرقم بن أبي الأرقم، فدخل عليه فأسلم وصدّق به، فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر أمه وقومه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوساً. حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغيّر الحال قد قرِج يعني غلظ، فكفت أمه عنه من العزل، ما كانت تغدق عليه.
ثم قال بسنده عن عروة بن الزبير: قال: بينا أنا جالس يوماً، مع عمر بن عبد العزيز وهو يبني المسجد فقال: أقبل مصعب بن عمير ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، عليه قطعة نمره قد وصلها بإهاب قدر بدنه، ثم وصله إليها، فلما رآه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نكسوا رؤوسهم، رحمة له، ليس عندهم ما يغيّرون عنه، فسلّم فرد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن عليه الثناء، وقال: الحمد لله مقلّب الدنيا بأهلها، لقد رأيت هذا - يعني مصعباً - وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه منه نعيماً، ثم أخرجه من ذلك الرّغبة من الخير في حب الله ورسوله.
وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليفقّه الأنصار في الدين، ويعلمهم القرآن، إذ لما انصرف أهل العقبة الأولى، الاثنا عشر، وفشا الإسلام في دور الأنصار، أرسلت الأنصار رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبت إليه كتاباً: أبعث إلينا رجلاً يفقهنا في الدين, ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، فقدم ونزل على أسعد بن زرارة، وكان يأتي الأنصار في دورهم، وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فيسلم الرجل والرجلان، حتى ظهر الإسلام، وفشا في دور الأنصار كلها والعوالي، إلا بعض دُور من أوس، وهي خطمه ووائل وواقف، وكان مصعب يقرئهم القرآن، ويعلمهم فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم، فأذن له، وكتب إليه أنظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم، فإذا زالت الشمس.
فازدلف إلى الله فيه بركعتين، وأخطب فيهم، فجمع بهم مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة، وهم اثنا عشر رجلاً وما ذبح يومئذ إلاّ شاة، فهو أول من جمع في الإسلام جمعة (طبقات ابن سعد 3: 118).
قال ابن الأثير بسنده منسوباً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: إنا لجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير، وما عليه إلا بردة له، مرقوعة بفرو، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلّة، وراح في حلّة ووضعتْ بين يديه صحفة، ورُفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا يا رسول الله نحن يؤمئذ خير هذا اليوم، نتفرّغ للعبادة، ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير منكم يومئذ، رواه الترمذي.
وقال خبّاب هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبتغي وجه الله عز وجل فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها، وإن مصعب بن عمير مات ولم يترك إلا ثوباً، كان إذا به غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا رجليه به خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الأذخر)، نوع من الشجر، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (أسد الغابة: 5: 183).
وقد وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد شهيداً، وهو متجعف على وجهه فقال صلى الله عليه وسلم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، (إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة).
ثم أقبل على الناس فقال: إئتوهم فزورهم، وسلموا عليهم، فو الذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام).
قال ابن اسحاق: وقاتل مصعب بن عمر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قُتل قاله ابن قميئة الليثي، وهو يظنه رسول الله، فرجع إلى قريظة، وقال قتلت محمداً، فلما قُتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلي بن أبي طالب، ورجال من المسلمين، وعمر مصعب حين قُتل أربعون سنة (أسد الغابد: 1: 182).
كان رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، ويحتج أهل العلم برأيه في كثير من المسائل في كتبهم، ومن ذلك أنهم يرون بأن الكافر إذا أسلم يجب عليه الغسل، حيث رُوي أن سعد بن معاذ وأسيد ابن حضير، حين أرادا الإسلام، سألا مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة كيف تصنعون إذا دخلتم في الإسلام، في هذا الأمر؟ قالا: نغتسل ونشهد شهادة الحق (المغني: 1: 276). وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله، في العدد الذي تنعقد به الجمعة، ما بين الأربعين إلى الخمسين إلى الثلاثة إلى الأربعة.
ولكل صاحب قول دلالة، يستند عليها، ومن تلك الآراء قول ربيعة بأنها تنعقد بأثني عشر رجلاً، وحجته، ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب لمصعب بن عمير بالمدينة، فأمره أن يصلي الجمعة عند الزوال ركعتين، وأن يخطب فيهما.
فجمع مصعب بن عمير، في بيت سعد بن خيثمة باثني عشر رجلاً، وقد عضد هذا حديث جابر بن عبدالله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقَدِمَتْ سويقه فخرج الناسن فلم يبق إلا أثنا عشر رجلاً أنا فيهم. الحديث رواه مسلم.
الله عليه وسلم، على مباهج الدنيا وزخرفها، إذ كان قبل الإسلام من أرفه وأنعم فتيان مكة، لأنّ أمه كانت ثرية، وتغدق عليه، فترك ذلك وآثر شظف العيش، حتى يسلم له دينه.
قال الواقدي: كان مصعب بن عمر فتى مكة، شباباً وجمالاً وسبيباً، والسبيبة: الثوب الرقيق الناعم، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعظم أهل مكة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكره ويقول: ما رأيت بمكة أحسن منه لمّة.. واللمّة: من شعر الرأس ما يصل إلى المنكبين، فإذا زادت فهي الحمّة، ولا أنعم من مصعب بن عمير، وروى محمد بن اسحاق عن صالح بن كيسان، عن بعض آل سعد، عن سعد بن أبي وقّاص كان: كنا قوماً يصيبنا ظلف العيش وهو خشونته وشدّته بمكة، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أصابنا البلاء، اعترفنا ومررنا عليهن فصبرنا، وكان مصعب بن عمير أنعم غلام بمكة، وأجوده حلّة مع أبويه، وأمه مليئة كثيرة المال، تكسوه أحسن ما يكون من الثياب، وكان أعطر أهل مكة، يلبس الحضرميّ من النعال.
ثم لقد رأيته جُهدَ في الإسلام جهداً شديداً، حتى لقد رأيت حلّته يتخشّف كما يتخشّف جلد الحية. أي يتقبض ويتقلص (أسد الغابة: 5: 182).
قال عنه الزركلي: مصعب بن عمير، من بني عبد الدار القرشي صحابي شجاع من التابعين إلى الإسلام، أسلم في مكة وكتم إسلامه فعلم به أهله، فأوثقوه وحبسوه، فهرب مع من هاجر إلى الحبشة، ثم رجع إلى مكة، وهاجر إلى المدينة، فكان أول من جمع الجمعة فيها وعرف فيها بالمقرئ، وأسلم على يديه أُسيْد بن حضير، وسعد بن معاذ، وشهد بدراً، وحمل اللواء يوم أحد واستشهد، وكان في الجاهلية فتى مكة، شباباً وجمالاً ونعمة، ولما ظهر الإسلام زهد بالنعيم، وكان يلقّب بمصعب الخير، ويقال فيه وفي أصحابه أنزل الله سبحانه: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} (23) سورة الأحزاب، وكانت وقعة أحد عام 3هـ (الأعلام للزركلي 8: 151).
وقد أخرج البخاري في مناقب الأنصار: باب مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة: من طريق شعبة عن أبي اسحاق قال: سمعت البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أول من قدم المدينة علينا مصعب بن عمير، وابن مكتوم وكانا يقرآن القرآن للناس، فقدم بلال وسعد وعمّار بن ياسر، ثم وفد عمر بن الخطاب في عشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء، فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى جعل الإماء يقلن: قدم رسول الله، فما قدم حتى قرأت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، في سور من المفصّل (فتح الباري: 7: 260).
وفي إسلامه ذكر ابن سعد: أن مصعب بن عمير بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو إلى الإسلام، في دار أرقم بن أبي الأرقم، فدخل عليه فأسلم وصدّق به، فكتم إسلامه خوفاً من أمه وقومه، فكان يختلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سراً، فبصر به عثمان بن طلحة يصلي، فأخبر أمه وقومه، فأخذوه وحبسوه، فلم يزل محبوساً. حتى خرج إلى أرض الحبشة في الهجرة الأولى، ثم رجع مع المسلمين حين رجعوا، فرجع متغيّر الحال قد قرِج يعني غلظ، فكفت أمه عنه من العزل، ما كانت تغدق عليه.
ثم قال بسنده عن عروة بن الزبير: قال: بينا أنا جالس يوماً، مع عمر بن عبد العزيز وهو يبني المسجد فقال: أقبل مصعب بن عمير ذات يوم والنبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه، عليه قطعة نمره قد وصلها بإهاب قدر بدنه، ثم وصله إليها، فلما رآه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نكسوا رؤوسهم، رحمة له، ليس عندهم ما يغيّرون عنه، فسلّم فرد النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسن عليه الثناء، وقال: الحمد لله مقلّب الدنيا بأهلها، لقد رأيت هذا - يعني مصعباً - وما بمكة فتى من قريش أنعم عند أبويه منه نعيماً، ثم أخرجه من ذلك الرّغبة من الخير في حب الله ورسوله.
وقد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليفقّه الأنصار في الدين، ويعلمهم القرآن، إذ لما انصرف أهل العقبة الأولى، الاثنا عشر، وفشا الإسلام في دور الأنصار، أرسلت الأنصار رجلاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكتبت إليه كتاباً: أبعث إلينا رجلاً يفقهنا في الدين, ويقرئنا القرآن، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير، فقدم ونزل على أسعد بن زرارة، وكان يأتي الأنصار في دورهم، وقبائلهم فيدعوهم إلى الإسلام، ويقرأ عليهم القرآن، فيسلم الرجل والرجلان، حتى ظهر الإسلام، وفشا في دور الأنصار كلها والعوالي، إلا بعض دُور من أوس، وهي خطمه ووائل وواقف، وكان مصعب يقرئهم القرآن، ويعلمهم فكتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه أن يجمع بهم، فأذن له، وكتب إليه أنظر من اليوم الذي يجهر فيه اليهود لسبتهم، فإذا زالت الشمس.
فازدلف إلى الله فيه بركعتين، وأخطب فيهم، فجمع بهم مصعب بن عمير في دار سعد بن خيثمة، وهم اثنا عشر رجلاً وما ذبح يومئذ إلاّ شاة، فهو أول من جمع في الإسلام جمعة (طبقات ابن سعد 3: 118).
قال ابن الأثير بسنده منسوباً إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أنه قال: إنا لجلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد إذ طلع علينا مصعب بن عمير، وما عليه إلا بردة له، مرقوعة بفرو، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم بكى للذي كان فيه من النعمة، والذي هو فيه اليوم، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف بكم إذا غدا أحدكم في حلّة، وراح في حلّة ووضعتْ بين يديه صحفة، ورُفعت أخرى وسترتم بيوتكم كما تستر الكعبة؟ قالوا يا رسول الله نحن يؤمئذ خير هذا اليوم، نتفرّغ للعبادة، ونكفى المؤنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتم اليوم خير منكم يومئذ، رواه الترمذي.
وقال خبّاب هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، نبتغي وجه الله عز وجل فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئاً، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يهديها، وإن مصعب بن عمير مات ولم يترك إلا ثوباً، كان إذا به غطوا رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطوا رجليه به خرج رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غطوا رأسه، واجعلوا على رجليه الأذخر)، نوع من الشجر، رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (أسد الغابة: 5: 183).
وقد وقف عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم أحد شهيداً، وهو متجعف على وجهه فقال صلى الله عليه وسلم: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}، (إن رسول الله يشهد عليكم أنكم شهداء عند الله يوم القيامة).
ثم أقبل على الناس فقال: إئتوهم فزورهم، وسلموا عليهم، فو الذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم إلى يوم القيامة إلا ردوا عليه السلام).
قال ابن اسحاق: وقاتل مصعب بن عمر دون رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قُتل قاله ابن قميئة الليثي، وهو يظنه رسول الله، فرجع إلى قريظة، وقال قتلت محمداً، فلما قُتل مصعب أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية لعلي بن أبي طالب، ورجال من المسلمين، وعمر مصعب حين قُتل أربعون سنة (أسد الغابد: 1: 182).
كان رضي الله عنه من فقهاء الصحابة، ويحتج أهل العلم برأيه في كثير من المسائل في كتبهم، ومن ذلك أنهم يرون بأن الكافر إذا أسلم يجب عليه الغسل، حيث رُوي أن سعد بن معاذ وأسيد ابن حضير، حين أرادا الإسلام، سألا مصعب بن عمير، وأسعد بن زرارة كيف تصنعون إذا دخلتم في الإسلام، في هذا الأمر؟ قالا: نغتسل ونشهد شهادة الحق (المغني: 1: 276). وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله، في العدد الذي تنعقد به الجمعة، ما بين الأربعين إلى الخمسين إلى الثلاثة إلى الأربعة.
ولكل صاحب قول دلالة، يستند عليها، ومن تلك الآراء قول ربيعة بأنها تنعقد بأثني عشر رجلاً، وحجته، ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب لمصعب بن عمير بالمدينة، فأمره أن يصلي الجمعة عند الزوال ركعتين، وأن يخطب فيهما.
فجمع مصعب بن عمير، في بيت سعد بن خيثمة باثني عشر رجلاً، وقد عضد هذا حديث جابر بن عبدالله: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة، فقَدِمَتْ سويقه فخرج الناسن فلم يبق إلا أثنا عشر رجلاً أنا فيهم. الحديث رواه مسلم.
http://www.al-jazirah.com/2012/20121109/ar6.htm
د محمد بن سعد الشويعر أبدعت في سرد سيرة صحابي جليل بروعة قلمك الرائع جزاك الله خير