• ×

الإنترنت.. تكسر عزلة عرب «الأحواز» المحتلة من الفرس

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الإنترنت.. تكسر عزلة «الأحواز»

شبابها فتحوا نوافذ على عروبتهم.. ينشدون سلاما على وطنهم وأهله ونهر كارون الحزين على ضياع مياهه
جدة: ياسر الأبنوي
يحرصون على التحدث بالفصحى، على الرغم من لهجتهم العربية القريبة من لهجة أبناء العراق، وإتقانهم اللغة الفارسية بحكم المعيشة والواقع الملزم، فإنهم ببساطة يريدون استثمار هذه النوافذ التي كأنما فتحت لهم من السماء وأشرعتها شبكات التواصل المختلفة على الإنترنت؛ فكسرت العزلة الشديدة التي كان يعيشها أبناء الأحواز العربية حتى كادت تصبح نسيا.

من دون اقتحام أو غضب، يتحدثون عن واقع الأحواز وماضيها. في هدوء متفان وصبر جميل، يعرضون ما تتعرض له من استلاب للهوية ومحاولة لطمس الثقافة. يتحدثون عن أصولها وتاريخها، ولا ينسون أن يعرضوا جمالها وجمال أهلها وطبيعتها، أنهارها ووديانها وجبالها الخضراء، وأصالتها العربية وطباعها البدوية. إنهم بكل بساطة، غير مستعدين لإضاعة هذه الفرصة الثمينة التي توافرت لهم بفضل وسائل التواصل على الإنترنت لمحادثة قرنائهم في الدول العربية من نشطاء وإعلاميين ومهتمين بالشأن السياسي.

والأحواز بلغة العرب.. أو الأحواز بلكنة أهلها، هي عاصمة ومركز محافظة خوزستان، جنوب غربي طهران، ضمتها إيران إلى أراضيها في 1925، وتسكنها غالبية عربية. ومنذ ذلك الحين تشهد، الأحواز تحركات من أجل الاستقلال عن الجمهورية الإسلامية، التي واجهت تلك التحركات بالقمع.

ويقول فيصل عبد الكريم نعمة، الأمين العام للجبهة العربية لتحرير الأحواز لـ«الشرق الأوسط»، عما يدور في المنطقة، إن «ما يحدث في الأحواز هو جريمة إبادة جماعية وحرب تطهير عرقي، ويجب على العالم أن يرتقي إلى مسؤولياته الإنسانية ويقف إلى جانب هذا الشعب»، معتبرا أن الحفاظ على الأحواز هو بمثابة الدفاع عن الأمن القومي العربي والدفاع عن السلم العالمي ضد «مشروع فارسي توسعي»، لافتا إلى أن هناك آلافا من المواطنين الأحوازيين أعدموا على يد الأمن الإيراني، ومؤكدا أن هناك الآلاف أيضا ينتظرون ذات المصير بتهمة «انتمائهم إلى العروبة».

ولكن يبدو أن شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت والتي حركت الربيع العربي، بدأت أيضا في إبراز أنشطة شباب الأحواز.

وعلى الرغم من أن نعمة اعتبر أن «تضحيات الشعب العربي الأحوازي قد بدأت منذ 20 أبريل (نيسان) 1925، فكان الربيع الأحوازي، وتبعه ربيع أهوازي ثان بدأ منذ عام 1980 عندما انبثقت الجبهة العربية لتحرير الأحواز وتنامى هذا الربيع حتى قال الشعب كلمته في انتفاضته النيسانية التي حدثت في 15 من أبريل عام 2005، لكن الربيع العربي صعد من وتيرة النضال الأحوازي وباتت الأبواب تفتح الواحد تلو الآخر.

ما نيجه برويز، المقيمة في فرنسا، لا يحلو صباحها من دون ذكر الأحواز، تنادي بصوت حزين: «سلام على وطني الأحواز، سلام على أهلها الطيبين، سلام على نهر كارون الحزين على ضياع مياهه، سلام على المحمرة وعبادان وتستر والفلاحية ورامز».

برويز التي تحمل دم أب أهوازي وروح أم فارسية تتحدث اللغة العربية والفارسية والإنجليزية، وتؤكد أنها تكتب عن بلدها الأحواز لكي يتعرف الناس على وطنها الذي ظل 87 سنة منسيا، محاولة في الكثير من أحاديها عرض بعض مواد القانون الإيراني الذي ينص على حق القوميات والمساواة، وتستعرض ثقافة الأحواز وتفاصيل حياتهم وإقليمهم بنفس شعري رائق وحزين.

أما محمد مجيد الأحوازي فأحد أبرز النشطاء السياسيين الأحوازيين وأكثرهم تأثيرا على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وهو شاب فصل من الجامعة وسجن بسبب نشاطه السياسي، ويعيش حاليا في المهجر لخدمة قضيته وأمته وشعبه كما يقول.

يؤكد مجيد الذي يجيد التحدث بالفصحى أنه تعلم العربية على لسان والديه وبين أبناء قريته وأقاربه، إلا أنه ما أن انخرط في الدراسة عن بلوغه السابعة حتى أجبر على التخلي عن هذه اللغة التي يحبها والتعلم فيها بلغة واحدة هي اللغة الفارسية، حيث يمنع فيها منعا باتا التحدث العربية، مع وجود غالبية من المدرسين الفرس الذين ينطقون الفارسية شكلا ومضمونا.

ويقول محمد مجيد: «كل مشكلات الأحوازيين، وخصوصا الجيل الصاعد منهم، تبدأ من الصف الأول الابتدائي، إذ تسرد قصة العقاب والحقد والكراهية التي تستقبلهم مجبرين على لسان المدرس الفارسي وفي ثنايا الكتب المليئة بالحط من العرب والرموز الإسلامية، فينشأ الجيل الأحوازي الصاعد وهو محمل بأوجاع وصدمات واحتقار وغربة زرعت في نفسه وهو لا يزال طفلا بريئا على يد المدرس والمدرسة والكتاب»، مشيرا إلى أن المناهج التدريسية تستهزئ بالعرب وتحتقر تاريخهم وتصفهم بأوصاف تحط من شأنهم، الأمر الذي ينعكس سلبا على روح الطفل ويجعله يشعر بالاستهداف وبالاحتقار ومن ثم يتخذ موقف الدفاع عن نفسه وعن العرب وعن لسان أمه وأبيه.

ويتابع الأحوازي قائلا «هكذا نواجه أول تجربة في الحياة، وهكذا يثقفنا الإيرانيون ويحرقون المستقبل وتطلعاته في نفوسنا، وهذا ما يؤدي إلى خروج أكثر من 30 في المائة من أطفال الابتدائية العرب من المدارس، وفق أحد إحصاءات وزارة التربية والتعليم، ومع كل ذلك يحرص أبناء الأحواز على تعلم اللغة العربية الفصحى ذاتيا، فضلا عن استغلال فرصة كثرة الفضائيات التي كانت البديل لنا كشعب عربي أهوازي محروم من عروبته ولغته العربية».

وشهدت خوزستان المتاخمة للحدود العراقية والتي يعيش فيها ما بين مليون ومليونين من الأقلية العربية، وفق مختلف التقديرات، نزاعا عرقيا قمعته السلطات بقسوة في عام 2005 ولا تزال مسرحا لاضطراب مزمن. وتحدثت تقارير مرارا عن اعتداءات ومظاهرات واعتقالات في خوزستان منذ 2005، خصوصا في أبريل 2011 عندما أسفر هجوم نسبته طهران إلى «إرهابيين» عن ثلاثة قتلى منهم شرطي في الأحواز.

وقالت «هيومان رايتس ووتش» إن 12 ناشطا من الأقلية العربية في خوزستان أعدموا منذ مايو (أيار) 2011 بينهم فتى في السادسة عشرة من العمر. وقضى ستة آخرون على الأقل في الاعتقال تحت التعذيب، كما تفيد شهادات حصلت عليها المنظمة. ويعتقد مجيد أن الثقافة الأحوازية تعرضت لتشويه وأمراض كانت حصيلة العمل التخريبي الممنهج الذي مارسته سلطات الاحتلال الفارسية منذ احتلال القطر الأحوازي 20 أبريل 1925، إذ في عصر الكيان السياسي المستقل في الأحواز في فترة حكم الأمير خزعل الكعبي (1897 - 1925م) كانت الأحواز تضم نحو 90 مدرسة، إضافة إلى كتاتيب باللغة العربية، وكان هناك أساتذة عرب من مختلف المناطق العربية يفدون من العراق ومن مصر وسوريا وغيرها لتدريس الطلبة الأحوازيين في المناطق والمدن الأحوازية العربية المختلفة، وخصوصا في العاصمة «المحمرة»، ولكن هذا الأمر تغير تماما بمجرد دخول العسكر الإيرانيين إلى الأحواز واحتلالها. ويقول: «منذ أن وطئت أقدام الفرس بدأ هذا النوع من الحقد والكراهية والاستئصال لكل ما هو عربي، ولم يزل حتى اليوم في عهد ملالي إيران، إذ تركز جميع سلطات الاحتلال الفارسية سياساتها الغاشمة الهادفة على طمس هويتنا (كعرب) وعلى إماتة لغتنا العربية واستهداف المفاهيم الإسلامية، بشتى السبل وفق عقلية فارسية عنصرية معروفة».

ويلفت الناشط السياسي الأحوازي إلى أن الإيرانيين مهدوا لهذا القمع حينما أنكروا الصفة القومية للشعب الساكن في القطر الأحوازي المحتل، مثلما أقدموا على وصف العرب في الأحواز بأنهم إيرانيون أصلا بوسائل الدعاية التابعة لهم، أو عندما أطلقوا على الشعب العربي مفهوم «عرب اللسان» بدلا من الإقرار بالحقائق الموضوعية التي تعبر عن الوجود العربي.

ويرى مجيد أن ما تتعرض له الأحواز أرضا وشعبا وثروات وغيرها، هو عمل منهجي وخطير، وهو حصرا يدخل في إطار الاحتلال، مضيفا «ما سأذكره عبارة عن مظاهر تكريس الاحتلال، وليس فقط المظلوميات أو سلب بعض الحقوق والقضايا المطلبية، فالأمر يبدأ بتغيير اسم القطر ومدنه وقراه وأزقته وأسماء المواليد من الإناث والذكور، والسعي الشامل لاجتثاث الهوية العربية، بينما تتعرض الأرض لاستيطان وقضم وتهجير سكانها الأصليين منها إلى العمق الفارسي، ولم يشبع الفرس غريزتهم عبر تلك المساعي، بل تعدتها لأبعاد الكوادر العلمية الأحوازية إلى خارج إيران بشكل عام، ولتغيير الطابع القومي للأرض والشعب، فضلا عما يتم نهبه من ثروات هائلة أنعم الله بها على هذه الأرض التي تعتبر من أغنى الأراضي والأوطان في العالم قاطبة، والتي وهبها الله ثروات كثيرة، منها النفط الذي يشكل ما نسبته 88 في المائة من الإنتاج الإيراني، والغاز الطبيعي، عدا عن الثروات النباتية والأنهار العذبة والكبيرة السبعة التي تحتويها أرض الأحواز العربية التي توفر وتوفر نصف المخزون الزراعي في لدولة إيران، و80 في المائة من صادرات إيران الزراعية توفرها الأحواز».

ويؤكد الناشط مجيد الأحوازي أن الشعوب غير الفارسية التي تعيش في إيران وكذلك الشعب الإيراني يخضعون لحجب ضخم وواسع في داخل إيران عن التلقي للعلوم والأفكار والمعلومات وللمعرفة والتطورات في العالم أجمع، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى إلى عزل الداخل الإيراني عن التأثر والتأثير بمجريات العالم عن الداخل الإيراني، خصوصا في ظل تحول شبكة الإنترنت في إيران إلى شركة وطنية إيرانية، ولن يستطيع مستخدم الإنترنت في إيران أن يتجول في صفحات الإنترنت عالميا وإقليميا إلا من خلال النزر اليسير الذي ستسمح به السلطات.

ويشدد الناشط مجيد على مطالبهم الأول والاستراتيجي هو طرد الاحتلال واجتثاث آثاره منذ عام 1925، واستعادة الكيان العربي الأحوازي المستقل، من دون نقصان، مشيرا إلى أن الربيع الأحوازي لم يتوقف منذ ذلك العام، وانطلقت 16 انتفاضة وثورة متتالية هدفت جميعها إلى التحرير الشامل من الاحتلال الفارسي، ورفع الثوار الأحوازيون شعارات التحرير وطرد الاحتلال واستئصال الفرس من هذه الأرض العربية الطاهرة، إذ فشلت هذه الدولة وأنظمتها المتعاقبة في فرض سياساتها الاستئصالية للعرب، ولم تفلح كل خططها ومساعيها الكاذبة ليستقر العربي الأحوازي لخطابها.

ويكشف مجيد عن أن من أقوى الانتفاضات التي خاضها أبناء الأحواز كانت في الخامس عشر من أبريل 2005، إذ خرجت الجماهير الأحوازية تطالب سلطات الاحتلال بالكف عن مصادرة أراضي المزارعين العرب، وتهجيرهم إلى عمق الأراضي الفارسية، وطالبوا الحكومة الإيرانية بتخصيص 002، في المائة من ناتج النفط لإعمار الأحواز خاصة، على الرغم من أنها توفر لدولة إيران ما نسبته (88 في المائة من النفط، إلا أن الرد الفارسي كان القتل والإعدامات والمطاردة للطليعة وللمواطنين الأحوازيين المناهضين لسياساتها الشيطانية البغيضة.

ويعتبر الناشط الأحوازي مؤكدا أن العرب موضوعيا بدأوا يعون الآن المعاني وحقيقة الصرخات الأحوازية التي كانت تناديهم في السابق، وتحذرهم من التساهل في التعامل مع الإيرانيين، إذ طالما كتب الأحوازيون كتبا ودراسات وتواصلوا بأشكال مختلفة مع مسؤولين وقوى شعبية عربية في أقطار عربية مختلفة عن تفاصيل التحركات الإيرانية، وعن جدية المساعي الإيرانية التوسعية في زرع مرتزقة وخلايا في دولهم، وتحويل طلبة يدرسون في طهران من رعايا هذه الدولة العربية أو تلك في تحويل البعض منهم إلى مرتزقة يعودون إلى بلدانهم ليمزقوا ويستنزفوا أوطانهم، كما حصل مع العراق ومع اليمن والبحرين والكويت ولبنان وسوريا وغيرها، مطالبا في الوقت نفسه بأن يعي العرب أن القضية الأحوازية قضية استراتيجية، وقضية موت لإيران كلها في حال تم الاهتمام بها عربيا، خصوصا وقد آن الأوان والظروف الموضوعية باتت اليوم واضحة وصالحة لإبراز القضية الأحوازية كقضية استراتيجية لحماية أمن الخليج العربي ومنطقة المشرق العربي، فلا أمن في الخليج على المدى القصير أو البعيد منه من دون دعم القضية الأحوازية.

ويختم مشددا على أن الإحساس بالعروبة متأصل عند الفرد الأحوازي، على الرغم مما قد يشعر به الأحوازي من الخذلان من أهله وإخوانه في الأقطار العربية التي تناست طويلا من دون مبرر الدولة العربية الأحوازية الخليجية، فإن «هذا لم يؤثر على هويتنا وحبنا وتشبثنا بالعروبة وللشعب العربي في وطننا وأمتنا المجيدة، ولم يؤثر أبدا أيضا في إحساسنا القومي، وفي الأحواز كان العرب المسلمون الأحوازيون هم من بناة هذه الحضارة وفيهم من الأساتذة والعلماء والعباقرة في الصرف والنحو والشعر والطب، وشهدت الأحواز أوسع نشاط في الحياة الاقتصادية وأوج التقدم الفكري والمعرفي، وكان من أبرز علمائها: أبو هلال العسكري، أستاذ اللغة والنحو والبيان، وعبد الله بن المقفع، وابن السكيت، وسيبويه، وجرجيس الطبيب بن بختيشوع الطبيب، سهل بن هارون الدستميساني، الشاعر الكبير أبو نواس، وابن ماسويه وغيرهم».

بواسطة : hashim
 0  0  1910
التعليقات ( 0 )

-->