لفضيلة العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين غفر الله له
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد،
فلقد قرأت يكل أسف لبعض من ينتسب إلى العلم ممن تأثر بالمتصوفة وهو الدكتور عبد الله نجيب سالم، ما يزعم أنها آثار عن الأئمة الأربعة تُروى عنهم في مدح الصوفية والتصوف،
فنقل نقل عن أبي علي الدقاق أنه قال: أنا أخذت الطريقة من أبي القاسم النصر أبادي، وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رحمه الله.
ونقل عن الإمام مالك أنه قال: «من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق».
ونقل عن الشافعي أنه قال: «حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بأهل التصوف».
ونقل عن الإمام أحمد أنه قال عن الصوفية: «لا أعلم أقواماً أفضل منهم، قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة».
وهذا الذي ذكره ونقله أمرٌ أثار استغراب كل من له عناية بكتب السنة والآثار، إ وهذا الذي ذكره ونقله أمرٌ أثار استغراب كل من له عناية بكتب السنة والآثار، إذ كان من المعلوم أن ظهور التصوف قد جوبه برد عنيف من السلف والأئمة ومنهم الأئمة الأربعة، لما عُرف عن المتصوفة من المخالفة لطريق السلف، والمبالغة في مقامات الدين والإيمان، الأمر الذي حدا بكثير من الأئمة لبيان الطريق الشرعي الصحيح للتعبد والزهد في مقابل ما ابتدعه الصوفية، فألفوا ما يُعرف بكتب الزهد المسندة بالآثار النبوية والسلفية، ككتاب «الزهد» لابن المبارك، ولوكيع، ولهناد بن السري، وللإمام أحمد، ولأبي داود ، ولابن أبي عاصم، ولغيرهم من العلماء والأئمة، كل ذلك رداً على ما ابتدعه الصوفية في هذا الباب.
ومن العيب حقاً، بل من الإخلال بالأمانة العلمية ترك ما صح واشتهر عن الأئمة الأربعة في هذا الباب، والاكتفاء بذكر ما ليس له سند من الحكايات.
ولعلي أن أسوق بعض ما اشتهر عن الأئمة في ذم الصوفية والذي يدل على نقيض ما قرره الدكتور عبد الله نجيب غفر الله له، وكم تمنينا أن يكون الدكتور منصفاً محققاً لما ينقله، كيف لا؟ وهو الباحث الشرعي في الموسوعة الفقهية، والذي يُفترض أن يكون خبيراً بطرق ثبوت الآثار والأقوال.
1 - نقل ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس (ص446) عن ابن عقيل ذمه للصوفية قائلاً: « ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشائخهم.
وباسناد عن عبد الملك بن زياد النصيبي قال: كنا عند مالك فذكرت له صوفيين في بلادنا، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ويفعلون كذا. قال: ويحك! ومسلمين هم!».
2- وروى البيهقي باسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: «لو أن رجلاً تصوف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق».
وبإسناده عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول:«ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخواص».
وبإسناده أن الشافعي قال في وصف الصوفي: «لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال: كسول أكول شؤوم كثير الفضول». [مناقب الشافعي للبيهقي 2 /207]
وقال الشافعي: «أس التصوف الكسل». [حلية الأولياء 9 /136].
ولما أظهر الصوفية ما يُسمى بالسماع وهو الإنشاد بضرب الأرجل والقضبان، سماهم الشافعي بالزنادقة. فقد قال الحافظ ابن رجب كما في نزهة الأسماع (ص71): «وصح عن الشافعي من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي ويونس بن عبد الأعلي أنه قال: تركت بالعراق شيئاً يُسمونه «التغبير وضعته الزنادقة يصدون به الناس صدون به الناس عن القرآن».
وقال الحافظ ابن رجب كما في المصدر السابق معرِّفاً «التغبير» وأنه من صنع الصوفية: «والحدث الثاني: سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك، وربما أنشدوها بنوع من الألحان استجلاباً لترقيق القلوب بها، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلد ونحوه بقضيب ونحوه وكانوا يسمون ذلك التغبير».
3- وأما الإمام أحمد فكلامه في هذا الباب كثير جداً. فقد اشتهر عنه التحذير من الحارث المحاسبي الذي كان رأساً في المتصوفة آنذاك، وأمره بهجرانه لما عُرف عنه من التصوف والخوض في مقاماتهم، ولاتباعه أيضاً لطريق ابن كلّاب فيما أحدثه من القول الباطل في صفات الله تعالى.
فقد قال الخلال: أخبرنا المروذي: أن أبا عبد الله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: «حارث أصل البلية، -يعني حوادث كلام جهم-، ما الآفة إلا حارث، عامة من صحبه انهتك إلا ابن العلاف فإنه مات مستوراً. حذروا عن حارث أشد التحذير.
قلت: إن قوماً يختلفون إليه؟ قال: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته، فإن قبلوا وإلا هُجروا. ليس للحارث توبة، يُشهد عليه ويَجْحَد، إنما التوبة لمن اعترف) اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1 /62-63)].
وقال علي بن أبي خالد: «قلت لأحمد: إن هذا الشيخ -لشيخٍ حضر معنا- هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير -يعني حارثاً المحاسبي- كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، ولا تكلمه، فلم أكلمه حتى الساعة. وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه؟ فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فعل الله به وفعل، ليس يَعرِف ذاك إلا من خبره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه.
فقال له الشيخ: يا أبا عبد الله يروى الحديث ساكن خاشع، من قصته ومن قصته؟ فغضب أبو عبد الله وجعل يقول: لا يغرك خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره. لا تكلمه ولا كرامة له. كل من حدث بأحاديث رسول الله r وكان مبتدعاً تجلس إليه؟ لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين، وجعل يقول: ذاك. ذاك» اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1 / 233-234 )].
وقال ابن الجوزي: « وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي فقال لصاحب له: لا أرى لك أن تجالسهم.
وعن سعيد بن عمرو البردعي قال: شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع». [تلبيس إبليس ص206].
فهذه بعض نصوص الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد في ذم الصوفية وأئمتهم، وأما أبو حنيفة فلم يكن للصوفية ظهور في عهده. واكتفيت بالأئمة الأربعة ولغيرهم من الأئمة كلام كثير في ذم الصوفية والمتصوفة لا يسع المجال لنقله.
فوازن أخي القارئ بين هذه النقول المسندة عن الأئمة ، وبين ما نقله الشيخ عبد الله نجيب سالم مما لا يُعرف لها إسناد:
فأما ما نقله عن أبي حنيفة فجزافٌ من الكلام وادعاء بلا برهان.
وأما ما ذكره عن الإمام مالك نقلاً عن ملا علي القاري، فإن ملا علي القاري لم يذكر له إسناداً ولم يعزه لمن أسنده، كعادته في نقل كثير من الأقوال.
وأما ما ذكره عن الإمام أحمد نقلاً عن السفاريني، فإن السفاريني قد أخذه عن ابن مفلح. وقد ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (2 /323) ثم قال معقباً عليه: «كذا روى هذه الرواية والمعروف خلاف هذا عنه».
وذكر الحكاية في الفروع أيضاً ثم قال: « وَلَعَلَّ مُرَادَهُ - أي أحمد- سَمَاعُ الْقُرْآنِ ،.....، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ سَمِعَ عِنْدَهُ كَلَامَ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَرَأَى أَصْحَابَهُ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْت مِثْلَهُمْ، وَلَا سَمِعْت فِي عِلْمِ الْحَقَائِقِ مِثْلَ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَا أَرَى لَك صُحْبَتَهُمْ. وَقَدْ نَهَى عَنْ كِتَابَةِ كَلَامِ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْقَاصِّ بِهِ».
ومما يؤكد نكارة هذا الرواية عن الإمام أحمد جهالة راويها وهو: إبراهيم بن عبد الله القلانسي، فإنه لا يُعرف، ولم أعثر له على ترجمة، فهلا أفادنا الشيخ عبد الله نجيب سالم عن ترجمة هذا الراوي؟.
وأما ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مما يزعم أن فيه تأييداً للصوفية فأمرٌ لا ينقضي منه العجب، إذ أن من المعلوم لكل من له أدنى اطلاع على كتبهما كثرة كلام هذين الإمامين في الرد على ما ابتدعه الصوفية، وحسبك كتاب «الاستقامة» لشيخ الإسلام ابن تيمية، فضلاً عما جمعه الشيخ ابن قاسم في الجزئين: الأول والحادي عشر من مجموع الفتاوى، وأما ابن القيم فيكفي الاطلاع على كتابه «مدارج السالكين» والذي انتقد فيه كثيراً مما أحدثه المتصوفة في الدين ومقاماته. وكذلك كتاب «إغاثة اللهفان» حيث ذكر مكائد الشيطان بالمتصوفة.
ومما أثار استغرابي حقيقةً، ما نقله الشيخ من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب ثم حرّف معناه ليوافق مطلوبه.
فقد نقل عنه قوله: «اعلم أرشدك الله أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً r بالهدى الذي هو العلم النافع، ودين الحق الذي هو العمل الصالح. فإذا كان من ينتسب إلى الدين: منهم من يتعاطى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعاطى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعاطى العبادة وطلب الآخرة كالصوفية، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين».
ثم علق الدكتور نجيب بقوله: «أي الفقه والتصوف». وهذا تحريف لمراد الشيخ ابن عبد الوهاب، وليٌّ لكلامه، إذ أن مراده بـالنوعين كما هو ظاهرٌ من كلامه: العلم والعمل، فإنه ذكر أن النبي r أتى بهما ثم ذكر طائفتين كل منهما اشتغلت بأحد النوعين دون الآخر.
ولا أدري: كيف يجتمع مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب للصوفية، مع دكِّه لعروشهم، وكشفه لمخازيهم، ورده على شبهاتهم، حتى نصبوا له العداوة، ووسموا أصحابه بالوهابية. ومعلوم لكل باحث: المخالفة الشديدة بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين الصوفية، فأدنى اطلاع على كتبه بدءاً من «كتاب التوحيد»، وانتهاءاً بكتاب «كشف الشبهات». يُظهر شدة المباينة بين دعوة الشيخ وبين الصوفية. وقد صدق القائل إذ يقول: «الجنون فنون».
هذه بعض المؤاخذات على كلام الدكتور وبعض من تأثر بالتصوف هدانا الله وإياهم إلى الحق، ذكرتها بإيجاز، وهي تنبئ عما وراءها. وأنا أنصح بقراءة كتاب «تلبيس إبليس» لابن الجوزي فإنه من أنفس ما كُتب عن حقيقة الصوفية، وكذلك كتاب «الاعتصام» للشاطبي.
والله أسأل أن يهدينا وجميع المسلمين إلى الحق، وأن يجعلنا من أنصاره والقائمين به. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلقد قرأت يكل أسف لبعض من ينتسب إلى العلم ممن تأثر بالمتصوفة وهو الدكتور عبد الله نجيب سالم، ما يزعم أنها آثار عن الأئمة الأربعة تُروى عنهم في مدح الصوفية والتصوف،
فنقل نقل عن أبي علي الدقاق أنه قال: أنا أخذت الطريقة من أبي القاسم النصر أبادي، وقال أبو القاسم: أنا أخذتها من الشبلي، وهو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم والطريقة من أبي حنيفة رحمه الله.
ونقل عن الإمام مالك أنه قال: «من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق».
ونقل عن الشافعي أنه قال: «حبب إلي من دنياكم ثلاث: ترك التكلف، وعشرة الخلق بالتلطف، والاقتداء بأهل التصوف».
ونقل عن الإمام أحمد أنه قال عن الصوفية: «لا أعلم أقواماً أفضل منهم، قيل: إنهم يستمعون ويتواجدون؟ قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة».
وهذا الذي ذكره ونقله أمرٌ أثار استغراب كل من له عناية بكتب السنة والآثار، إ وهذا الذي ذكره ونقله أمرٌ أثار استغراب كل من له عناية بكتب السنة والآثار، إذ كان من المعلوم أن ظهور التصوف قد جوبه برد عنيف من السلف والأئمة ومنهم الأئمة الأربعة، لما عُرف عن المتصوفة من المخالفة لطريق السلف، والمبالغة في مقامات الدين والإيمان، الأمر الذي حدا بكثير من الأئمة لبيان الطريق الشرعي الصحيح للتعبد والزهد في مقابل ما ابتدعه الصوفية، فألفوا ما يُعرف بكتب الزهد المسندة بالآثار النبوية والسلفية، ككتاب «الزهد» لابن المبارك، ولوكيع، ولهناد بن السري، وللإمام أحمد، ولأبي داود ، ولابن أبي عاصم، ولغيرهم من العلماء والأئمة، كل ذلك رداً على ما ابتدعه الصوفية في هذا الباب.
ومن العيب حقاً، بل من الإخلال بالأمانة العلمية ترك ما صح واشتهر عن الأئمة الأربعة في هذا الباب، والاكتفاء بذكر ما ليس له سند من الحكايات.
ولعلي أن أسوق بعض ما اشتهر عن الأئمة في ذم الصوفية والذي يدل على نقيض ما قرره الدكتور عبد الله نجيب غفر الله له، وكم تمنينا أن يكون الدكتور منصفاً محققاً لما ينقله، كيف لا؟ وهو الباحث الشرعي في الموسوعة الفقهية، والذي يُفترض أن يكون خبيراً بطرق ثبوت الآثار والأقوال.
1 - نقل ابن الجوزي كما في تلبيس إبليس (ص446) عن ابن عقيل ذمه للصوفية قائلاً: « ذمهم خلق من العلماء وعابوهم حتى عابهم مشائخهم.
وباسناد عن عبد الملك بن زياد النصيبي قال: كنا عند مالك فذكرت له صوفيين في بلادنا، فقلت له: يلبسون فواخر ثياب اليمن ويفعلون كذا. قال: ويحك! ومسلمين هم!».
2- وروى البيهقي باسناده عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: «لو أن رجلاً تصوف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق».
وبإسناده عن الربيع قال: سمعت الشافعي يقول:«ما رأيت صوفياً عاقلاً قط إلا مسلم الخواص».
وبإسناده أن الشافعي قال في وصف الصوفي: «لا يكون الصوفي صوفياً حتى يكون فيه أربع خصال: كسول أكول شؤوم كثير الفضول». [مناقب الشافعي للبيهقي 2 /207]
وقال الشافعي: «أس التصوف الكسل». [حلية الأولياء 9 /136].
ولما أظهر الصوفية ما يُسمى بالسماع وهو الإنشاد بضرب الأرجل والقضبان، سماهم الشافعي بالزنادقة. فقد قال الحافظ ابن رجب كما في نزهة الأسماع (ص71): «وصح عن الشافعي من رواية الحسن بن عبد العزيز الجروي ويونس بن عبد الأعلي أنه قال: تركت بالعراق شيئاً يُسمونه «التغبير وضعته الزنادقة يصدون به الناس صدون به الناس عن القرآن».
وقال الحافظ ابن رجب كما في المصدر السابق معرِّفاً «التغبير» وأنه من صنع الصوفية: «والحدث الثاني: سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك، وربما أنشدوها بنوع من الألحان استجلاباً لترقيق القلوب بها، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلد ونحوه بقضيب ونحوه وكانوا يسمون ذلك التغبير».
3- وأما الإمام أحمد فكلامه في هذا الباب كثير جداً. فقد اشتهر عنه التحذير من الحارث المحاسبي الذي كان رأساً في المتصوفة آنذاك، وأمره بهجرانه لما عُرف عنه من التصوف والخوض في مقاماتهم، ولاتباعه أيضاً لطريق ابن كلّاب فيما أحدثه من القول الباطل في صفات الله تعالى.
فقد قال الخلال: أخبرنا المروذي: أن أبا عبد الله ذكر حارثاً المحاسبي فقال: «حارث أصل البلية، -يعني حوادث كلام جهم-، ما الآفة إلا حارث، عامة من صحبه انهتك إلا ابن العلاف فإنه مات مستوراً. حذروا عن حارث أشد التحذير.
قلت: إن قوماً يختلفون إليه؟ قال: نتقدم إليهم لعلهم لا يعرفون بدعته، فإن قبلوا وإلا هُجروا. ليس للحارث توبة، يُشهد عليه ويَجْحَد، إنما التوبة لمن اعترف) اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1 /62-63)].
وقال علي بن أبي خالد: «قلت لأحمد: إن هذا الشيخ -لشيخٍ حضر معنا- هو جاري، وقد نهيته عن رجل، ويحب أن يسمع قولك فيه: حارث القصير -يعني حارثاً المحاسبي- كنت رأيتني معه منذ سنين كثيرة، فقلت لي: لا تجالسه، ولا تكلمه، فلم أكلمه حتى الساعة. وهذا الشيخ يجالسه، فما تقول فيه؟ فرأيت أحمد قد احمر لونه، وانتفخت أوداجه وعيناه، وما رأيته هكذا قط، ثم جعل ينتفض ويقول: ذاك فعل الله به وفعل، ليس يَعرِف ذاك إلا من خبره وعرفه، أوّيه، أوّيه، أوّيه. ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره وعرفه. ذاك جالسه المغازلي ويعقوب وفلان فأخرجهم إلى رأي جهم. هلكوا بسببه.
فقال له الشيخ: يا أبا عبد الله يروى الحديث ساكن خاشع، من قصته ومن قصته؟ فغضب أبو عبد الله وجعل يقول: لا يغرك خشوعه ولينه، ويقول: لا تغتر بتنكيس رأسه، فإنه رجل سوء، ذاك لا يعرفه إلا من قد خبره. لا تكلمه ولا كرامة له. كل من حدث بأحاديث رسول الله r وكان مبتدعاً تجلس إليه؟ لا، ولا كرامة، ولا نُعمى عين، وجعل يقول: ذاك. ذاك» اهـ. [رواه ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1 / 233-234 )].
وقال ابن الجوزي: « وروينا عن أحمد بن حنبل أنه سمع كلام الحارث المحاسبي فقال لصاحب له: لا أرى لك أن تجالسهم.
وعن سعيد بن عمرو البردعي قال: شهدت أبا زرعة وسئل عن الحارث المحاسبي وكتبه، فقال للسائل: إياك وهذه الكتب، هذه الكتب كتب بدع وضلالات، عليك بالأثر فإنك تجد فيه ما يغنيك عن هذه الكتب. قيل له: في هذه الكتب عبرة. قال: من لم يكن له في كتاب الله عز وجل عبرة فليس له في هذه الكتب عبرة، بلغكم أن مالك بن أنس وسفيان الثوري والأوزاعي والأئمة المتقدمة صنفوا هذه الكتب في الخطرات والوساوس وهذه الأشياء، هؤلاء قوم خالفوا أهل العلم، يأتوننا مرة بالحارث المحاسبي، ومرة بعبد الرحيم الدبيلي، ومرة بحاتم الأصم، ومرة بشقيق، ثم قال: ما أسرع الناس إلى البدع». [تلبيس إبليس ص206].
فهذه بعض نصوص الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد في ذم الصوفية وأئمتهم، وأما أبو حنيفة فلم يكن للصوفية ظهور في عهده. واكتفيت بالأئمة الأربعة ولغيرهم من الأئمة كلام كثير في ذم الصوفية والمتصوفة لا يسع المجال لنقله.
فوازن أخي القارئ بين هذه النقول المسندة عن الأئمة ، وبين ما نقله الشيخ عبد الله نجيب سالم مما لا يُعرف لها إسناد:
فأما ما نقله عن أبي حنيفة فجزافٌ من الكلام وادعاء بلا برهان.
وأما ما ذكره عن الإمام مالك نقلاً عن ملا علي القاري، فإن ملا علي القاري لم يذكر له إسناداً ولم يعزه لمن أسنده، كعادته في نقل كثير من الأقوال.
وأما ما ذكره عن الإمام أحمد نقلاً عن السفاريني، فإن السفاريني قد أخذه عن ابن مفلح. وقد ذكره ابن مفلح في الآداب الشرعية (2 /323) ثم قال معقباً عليه: «كذا روى هذه الرواية والمعروف خلاف هذا عنه».
وذكر الحكاية في الفروع أيضاً ثم قال: « وَلَعَلَّ مُرَادَهُ - أي أحمد- سَمَاعُ الْقُرْآنِ ،.....، وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الثَّقَفِيِّ وَقَدْ سَمِعَ عِنْدَهُ كَلَامَ الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَرَأَى أَصْحَابَهُ: مَا أَعْلَمُ أَنِّي رَأَيْت مِثْلَهُمْ، وَلَا سَمِعْت فِي عِلْمِ الْحَقَائِقِ مِثْلَ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَا أَرَى لَك صُحْبَتَهُمْ. وَقَدْ نَهَى عَنْ كِتَابَةِ كَلَامِ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ وَالِاسْتِمَاعِ لِلْقَاصِّ بِهِ».
ومما يؤكد نكارة هذا الرواية عن الإمام أحمد جهالة راويها وهو: إبراهيم بن عبد الله القلانسي، فإنه لا يُعرف، ولم أعثر له على ترجمة، فهلا أفادنا الشيخ عبد الله نجيب سالم عن ترجمة هذا الراوي؟.
وأما ما نقله عن شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم مما يزعم أن فيه تأييداً للصوفية فأمرٌ لا ينقضي منه العجب، إذ أن من المعلوم لكل من له أدنى اطلاع على كتبهما كثرة كلام هذين الإمامين في الرد على ما ابتدعه الصوفية، وحسبك كتاب «الاستقامة» لشيخ الإسلام ابن تيمية، فضلاً عما جمعه الشيخ ابن قاسم في الجزئين: الأول والحادي عشر من مجموع الفتاوى، وأما ابن القيم فيكفي الاطلاع على كتابه «مدارج السالكين» والذي انتقد فيه كثيراً مما أحدثه المتصوفة في الدين ومقاماته. وكذلك كتاب «إغاثة اللهفان» حيث ذكر مكائد الشيطان بالمتصوفة.
ومما أثار استغرابي حقيقةً، ما نقله الشيخ من كلام الإمام محمد بن عبد الوهاب ثم حرّف معناه ليوافق مطلوبه.
فقد نقل عنه قوله: «اعلم أرشدك الله أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً r بالهدى الذي هو العلم النافع، ودين الحق الذي هو العمل الصالح. فإذا كان من ينتسب إلى الدين: منهم من يتعاطى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعاطى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء، ومنهم من يتعاطى العبادة وطلب الآخرة كالصوفية، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين».
ثم علق الدكتور نجيب بقوله: «أي الفقه والتصوف». وهذا تحريف لمراد الشيخ ابن عبد الوهاب، وليٌّ لكلامه، إذ أن مراده بـالنوعين كما هو ظاهرٌ من كلامه: العلم والعمل، فإنه ذكر أن النبي r أتى بهما ثم ذكر طائفتين كل منهما اشتغلت بأحد النوعين دون الآخر.
ولا أدري: كيف يجتمع مدح الشيخ محمد بن عبد الوهاب للصوفية، مع دكِّه لعروشهم، وكشفه لمخازيهم، ورده على شبهاتهم، حتى نصبوا له العداوة، ووسموا أصحابه بالوهابية. ومعلوم لكل باحث: المخالفة الشديدة بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبين الصوفية، فأدنى اطلاع على كتبه بدءاً من «كتاب التوحيد»، وانتهاءاً بكتاب «كشف الشبهات». يُظهر شدة المباينة بين دعوة الشيخ وبين الصوفية. وقد صدق القائل إذ يقول: «الجنون فنون».
هذه بعض المؤاخذات على كلام الدكتور وبعض من تأثر بالتصوف هدانا الله وإياهم إلى الحق، ذكرتها بإيجاز، وهي تنبئ عما وراءها. وأنا أنصح بقراءة كتاب «تلبيس إبليس» لابن الجوزي فإنه من أنفس ما كُتب عن حقيقة الصوفية، وكذلك كتاب «الاعتصام» للشاطبي.
والله أسأل أن يهدينا وجميع المسلمين إلى الحق، وأن يجعلنا من أنصاره والقائمين به. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.