عائشة لم تتزوج وهي بنت تسع سنوات
للشيخ عبد الرحمن السحيم
جواب الشيخ عبد الرحمن السحيم
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وجزاك الله خيرا
1- ليس بمستغرب أن يبرز صحفي ليتهجّم على علماء الأمة ويتجرأ على تخطئة أمّةٍ بكاملها ، وذلك لأننا في زمان كُذِّب فيه الصادق ، وصُدِّق فيه الكاذب ، وتَكَلّم فيه الرويبضة ! وهو الرجل التافِه يتكلم في أمر العامة ! ونحن في آخر الزمان ، ومن علاماته : أن يُلْتَمَس العِلْم عند الأصاغر !
2- لم يبق إلاَّ غلمان الصحافة وأقزامها يتطاولون على جبال العِلم وأساطينه ؟
ورحم الله امرءا عَرف قدر نَفْسَه .
إذ لو تكلم صحفي في الطب أو في الهندسة لأتى بالمضحكات ، فكيف إذا تكلم في أشرف العلوم ؟!
ولا شك أن الصحافة مهنة من لا مهنة له ، إذ لا يُشترط للصحفي والكاتب أن يكون عالما أو مُتعلِّمًا ! بل قد يتصدّر أعمدة الصحافة من ليس له نَسَب في العِلْم !
ولا يُنكر وُجود أفاضل لهم فضلهم وأثرهم في الصحافة .
3_ لا يَعْرِف الفضل لأهله إلاَّ أهل الفضل
ورحم الله سلف هذه الأمة الذين عرفوا فضل العلماء ومكانتهم ، فقد كان ابن عباس _ مع شرفه وفضله _ يُجِلّ العلماء ، فقد قام ابن عباس إلى زيد بن ثابت فأخذ له بِرِكابِه ، فقال : تَنَحّ يا ابنَ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إنَّـا هكذا نَفْعَل بِعُلَمَائنا وكُبرائنا .
وقال أيضا : إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتيه وهو قائلٌ فأتوسّد ردائي على بابه ، فَتَسْفِي الرِّيح عليَّ التراب ، فيخرج فَيَرَاني ، فيقول : يا ابن عم رسول الله ألاَ أرسلتَ إليّ فآتيك ؟ فأقول : أنا أحق أن آتيك فأسألك .
وبعد هذا بِزمَن قال ابن عباس : ذَلَلْتُ طَالِباً ، فَعَزَزْتُ مَطْلُوباً .
فلا يعرف الفضل لأهله إلاّ أهل الفضل .
ورحم الله أبا عمرو بن العلاء إذ يقول : ما نحن فيمن مضى إلاَّ كَبَقْل في أصول نخل طوال
وهذا الصحفي لا يبلغ درجة البقوليات ! فكيف يضع نفسه في مصاف أهل العلم . ليخطئ ويُضَعِّف ويُعَدِّل ويُجَرِّح ؟!
وليُعلم أن إجلال العالم من إجلال الله ، ومن طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد قال عليه الصلاة والسلام : ليس مِن أمتي مَن لم يُجِلّ كبيرنا ، ويَرْحم صَغيرنا ، ويَعْرِف لِعَالِمِنا حَقَّه . رواه الإمام أحمد .
فالمتهجم على العلماء المتنقِّص لهم مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن زعم نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
4 هذا الصحفي ناقض نَفسه بِنفسِه !
كيف ؟
يذكر بعض القضايا على أنها إجماع ، ثم يُشير من طَرْف خَفِيّ إلى نقد الإجماع !
فهو يقول : (والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعًا بين كتب التاريخ كانت في عام (٥) من بدء البعثة النبوية)
وفاته أن هجرة الحبشة أكثر من واحدة ، فهما اثنتان ! والهجرة الأولى كانت سنة خمس من الهجرة . إلاّ أن الكاتب لم يُشِر إلى الهجرة الثانية ، وأنه يقصد الهجرة الأولى !
ويقول : (وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) بـ ١٠ سنوات)
وهذا غير صحيح ، بل جاء الخلاف في ذلك ، فقد قال الإمام الذهبي عن أسماء رضي الله عنها : وكانت أسَنّ من عائشة بِبِضْع عَشرة سَنة . اهـ .
فاستدلال الصحفي بقول عائشة رضي الله عنها : " لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ "
أقول : الصحفي بَتَر النصّ ! إذ بقية قول عائشة رضي الله عنها : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ " وجاء في رواية البخاري إعادة ابْنُ الدَّغِنَةِ لأبي بكر وإجارته له ، وذِكر ردّ أبي بكر جوار ابْنُ الدَّغِنَةِ عليه ، وفيها بالنصّ : " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ . وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ ، فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي. قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" .
وقد لبّس الصحفي على القراء تلبيسات منها :
1 زعمه أن أبا بكر خرج مُهاجرا ، وذلك قَبل هجرة الحبشة ، فهو يقول : (وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت) ! وهذا من كِيسِ وفَهْم الصحفي ! فعائشة لم تقُل ذلك : بل قالت : " فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَة" وفَرْق كبير بَيْن ( قِـبَـل ) وبَيْن ( قَبْل ) التي فهمها الصحفي !
فـ ( قِـبَـل ) تعني جِهة ! كما في قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) .
ولم يُبيّن الصحفي هل هذا كان قَبل الهجرة الأولى أو كان قَبْل الهجرة الثانية للحبشة !
هذا إن كان يعلم أن هناك هجرة ثانية للحبشة !!
2 أعرض الصحفي عن الإتيان برواية البخاري كاملة ؛ لأنها تُفنِّد زعمه ، وتنقض دعواه ؛ لأنه جاء فيها التصريح بكون هذه الواقعة في أواخر العهد المكيّ ، وهو ما يُفهم من سياق الحديث ، وهو :
"قَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللَّهِ . وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ رَأَيْتُ سَبْخَةً ذَاتَ نَخْلٍ بَيْنَ لابَتَيْنِ ، وَهُمَا الْحَرَّتَانِ " ، ومما يُؤكِّد ذلك بدايات الهجرة إلى المدينة النبوية ، ففيما حذفه الصحفي من رواية البخاري : " فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْضُ مَنْ كَانَ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ "
ومما يُؤيد هذا القول ، وهو أن تلك الوقائع كانت في أواخر العهد المكي ، ما جاء في بقية رواية البخاري مما حذفه الصحفي - : " وَتَجَهَّزَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : هَلْ تَرْجُو ذَلِكَ بِأَبِي أَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ" .
فهل أُذِن للنبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة إلى المدينة قبل أن يُهاجِر أصحابه إلى الحبشة ؟!
لم يزعم ذلك أحد ، وهو لازِم قول الصحفي ! لأن في رواية البخاري : " فَهَاجَرَ مَنْ هَاجَرَ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، ومعلوم تأخّر هذا التجهّز عن هجرتي الحبشة : الأولى والثانية ؛ لأنه لو كان ذلك قبل الهجرة الثانية لَكانت المدينة أولى وأقرب من الهجرة الثانية إلى الحبشة !
كما أن أبا بكر رضي الله عنه لَمّا ردّ جِوار ابن الدغنة ، تَجَهّز ليُهاجر على الحبشة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عَلَى رِسْلِكَ ، فَإِنِّي أَرْجُو أَنْ يُؤْذَنَ لِي " ، وهذا لا شكّ أنه في أواخر العهد المكيّ .
ويدلّ عليه تأكيدا : " فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُر " ، فالأربعة أشهر نصّ صحيح صريح في أنه في أواخر العهد المكيّ ، وقُبيل الهجرة إلى المدينة .
وفي رواية للبخاري : " فَحَبَسَ أَبُو بَكْرٍ نَفْسَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَصْحَبَهُ ، وَعَلَفَ رَاحِلَتَيْنِ كَانَتَا عِنْدَهُ وَرَقَ السَّمُرِ ، وَهُوَ الْخَبَطُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ "
وفيها أيضا : قَالَتْ عَائِشَةُ : فَبَيْنَمَا نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ قَالَ قَائِلٌ لأَبِي بَكْرٍ : هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَنِّعًا فِي سَاعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينَا فِيهَا ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : فِدَاءٌ لَهُ أَبِي وَأُمِّي ! وَاللَّهِ مَا جَاءَ بِهِ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلا أَمْرٌ . قَالَتْ : فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُذِنَ لَهُ فَدَخَلَ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لأَبِي بَكْرٍ أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إِنَّمَا هُمْ أَهْلُكَ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ : فَإِنِّي قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الصَّحَابَةُ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَخُذْ بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَى رَاحِلَتَيَّ هَاتَيْنِ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِالثَّمَنِ ... قَالَتْ : ثُمَّ لَحِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ بِغَارٍ فِي جَبَلِ ثَوْرٍ ، فَكَمَنَا فِيهِ ثَلاثَ لَيَالٍ .
فهذه الرواية في غاية الصراحة بأن ذلك كان قُبيل الهجرة إلى المدينة ، وتحديد المدّة بأربعة أشهر ، وهي المدّة التي كان أبو بكر يُعلِف فيها الرّاحلتين من أجل الهجرة .
فكل هذا يردّ بِصريح القول على ما زعمه الصحفي ، وما لـبّسه على القراء ، من أن تلك الأحداث كانت قَبْل الهجرة الأولى ، وأنها كانت قبل سنة خمس ، وبَطَل ما ادّعاه من عمليات حسابية !
فقول عائشة رضي الله عنها : " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ ، وَلَمْ يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاّ يَأْتِينَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيْ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً ، فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ " ليس فيه ما يدلّ على سِنِّها آنذاك ، وهو دالّ على تأخّر هذه الأحداث والوقائع ، وأنها في أواخر العهد المكيّ ، كما رأيته صريحا في روايات البخاري ، وأنه قُبيل إرهاصات الهجرة ، فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للأرض ذات النخل مُتأخِّر ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم آنذاك يرجو أن يُؤذن له في الهجرة ، مع ما في تصريح عائشة رضي الله عنها بِتعليف أبي بكر للراحلتين لِمدّة أربعة أشهر ، لا يُمكن دفع هذه الدلالات الصريحة إلاّ بِتكلّف وكَذِب وتكذيب !
وقول عائشة رضي الله عنها : " لَمْ أَعْقِلْ أَبَوَيَّ قَطُّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ " ليس فيه ما يدلّ على أنها وُلِدت قبل البعثة ، إذ لو كانت وُلِدت قبل البعثة كما زعم الصحفي لَصَحّ أن تقول : لم أعقل والديّ إلاّ وهما لا يدينان بالدِّين !
وهذا القول يُؤكِّد ما قاله غير واحد مِن أهل العِلم من أن عائشة رضي الله عنها وُلِدت بعد البعثة بـ " بأربع سنين أو خمس سنين " ، كما قاله ابن حجر في " الإصابة "
وهذا مُطّرد مع رواية البخاري ومسلم ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج عائشة وهي ست أو سبع سنين ، ودَخَل بها وهي بنت تسع سنين .
وهو عكس ما زعمه الصحفي من أن عائشة وُلِدت قبل البعثة بأربع سنين !
فإذا كانت وُلِدت قبل البعثة بخمس سنين ، فيكون عمرها عند الهجرة ( 8 ) سنوات .
وإن كانت وُلِدت قبل البعثة بأربع سنين ، فيكون عمرها عند الهجرة ( 9 ) سنوات .
كما أن قول عاشة رضي الله عنها : " كَانَ الْحَبَشُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ ، فَسَتَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَنْظُرُ ،فَمَا زِلْتُ أَنْظُرُ حَتَّى كُنْتُ أَنَا أَنْصَرِفُ ، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ ، تَسْمَعُ اللَّهْوَ" رواه البخاري ومسلم .
مع ما سيأتي أنها كانت تلعب باللُّعَب !
كل هذا دالّ على حداثة سِنِّها آنذاك .
5 عوّل الصحفي على التاريخ الميلادي كثيرا ، وفاته أن التاريخ الميلادي خطأ في أصله ! كما سيأتي ! وأنه كان عُرضة لِتلاعب الملوك به ! كما تلاعبوا بالصيام تبعًا للتلاعب بالتاريخ الميلادي !
وفاته أيضا أن الفَرْق بين السنة الهجرية والميلادية (11) يوما تقريبا في كل سنة ، أي : أنه في كل ثلاث سنوات سيكون الفَرْق أكثر من شهر ، وعلى مر الأزمنة سيُصبح الفَرْق كبيرا ، ففي كل قَرْن ( مائة سنة ) يُصبح الفَرْق ثلاثة أعوام . وهذا كله ينبغي أن يؤخذ بالحسبان عند حساب السنوات عبر القرون .
ولذلك جاء في قصة أصحاب الكهف : (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) .
ذَكَر ذلك علماء التفسير في الحكمة من ذِكْر التِّسْع سنوات على وجه الزيادة .
قال البغوي في تفسيره : رُوي عن علي أنه قال : ، عند أهل الكتاب أنهم لبثوا ثلاثمائة شمسية ، والله تعالى ذَكَر ثلثمائة قمرية ، والتفاوت بين الشمسية والقمرية في كل مائة ثلاث سنين ، فيكون في ثلثمائة تسع سنين ، فلذلك قال (وَازْدَادُوا تِسْعًا) .
وقال القرطبي : وحكى النقاش ما معناه : أنهم لبثوا ثلاثمائة سنة شمسية بحساب الأيام ، فلما كان الإخبار هنا للنبي العربي ذُكِرَت الـتِّسْع إذ المفهوم عنده من السنين القمرية ، وهذه الزيادة هي ما بَيْن الْحِسَابَين ، ونحوه ذَكَر الغزنوي أي : باختلاف سِنِيّ الشمس والقمر ؛ لأنه يتفاوت في كل ثلاث وثلاثين وثلث سَنة سَنَة ، فيكون في ثلاثمائة تسع سنين . اهـ .
وهذا الاختلاف في الحساب أشار إليه بعض الفلكيين المعاصرين ، فقد أشار إليه الفلكي محمد كاظم حبيب . بل وأثبت خطأ التاريخ الميلادي في بحث له سُجِّل في جامعة (DC) الأمريكية .
وتوصّل إلى أن " التقويم الميلادي خاطئ .. وأحد الأدلة ولادة المسيح صيفا ، واحتفال النصارى به شتاء! " موقع (www.icsfp.com) وصحيفة الوطن 20 جمادى الآخرة 1425 هـ العدد (1407) .
6 الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوّج عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين ، وقد تكون على مشارف العاشرة ، إلاّ أن العرب كانت تحذف الكسور ، فلا تحسبها ، وهذا أمر معروف لِمن عرف طريقة العرب بل والمتقدِّمين من أهل العِلم .
وبحسبة بسيطة فإن الْمُتَّفق عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم تُوفّي وعمر عائشة رضي الله عنها ( 18 ) سنة .
فإذا طرحنا زمن الدعوة في المدينة النبوية ، وهو (10) سنوات من عمر عائشة رضي الله عنها ، فإن الناتج هو (10) سنوات ..
18-10 = 8
وهذا يُدركه طُلاّب المرحلة الابتدائية !!
ولا اعلم أحدا قال إن سنّ عائشة عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كان فوق العشرين ! على ما استنتجه الصحفي !
فقد روى الإمام مسلم من طريق إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ .
قال ابن عبد البر : وتوفي عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة ، وكان مُكثها معه صلى الله عليه وسلم تِسْع سنين .
ومما يدلّ على صِغر عائشة رضي الله عنها حين تزوّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت تلعب بالأرجوحة قُبيل بناء النبي صلى الله عليه وسلم بها ! بل في نفس اليوم كانت تلعب بالأرجوحة ! وبعد ذلك كانت تلعب بالبنات !
قَالَت عَائِشَة : تزوجني رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا بنت ست ، ودخَل عليّ وأنا بنت تسع سنين ، وكنت ألعب بالبنات !
وقالت عائشة : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفَّى خديجة قبل مَخرجه إلى المدينة بسنتين أو ثلاث ، وأنا بنت سبع سنين ، فلما قدمنا المدينة جاءتني نسوة وأنا ألعب في أرجوحة وأنا مجممة ، فذهبن بي فهيأنني وصنعنني ، ثم أتين بي رسول الله صلى الله عليه وسلم فَبَنَى بي وأنا بنت تسع سنين . رواه الإمام أحمد ، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح على شرط مسلم .
قال ابن عبد البر : تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة بسنتين - هذا قول أبي عبيدة - وقال غيره : بثلاث سنين ، وهي بنت ست سنين . وقيل : بنت سبع ، وابتنى بها بالمدينة وهي ابنة تِسع ، لا أعلمهم اختلفوا في ذلك .
وقال الإمام الذهبي :
كان في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة وعمرها رضي الله عنها يومئذ اثنتا عشرة سنة .
قال الحافظ ابن كثير :
قوله: " تزوجها وهى ابنة ست سنين، وبَنَى بها وهى ابنة تسع " ما لا خلاف فيه بين الناس، وقد ثبت في الصحاح وغيرها.
وكان بناؤه بها عليه السلام في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة.
وأما كون تزويجها كان بعد موت خديجة بنحو من ثلاث سنين ففيه نظر . اهـ .
7 حَمَل الصحفي على " هشام بن عروة بن الزبير " رحمه الله حملة شعواء ! وكأنه ابن معين زمانه في الجرح والتعديل !
وقول هذا الصحفي مردود مُطَّرَح !
فمن هو هذا الصحفي النكرة ليطعن في من هو مثل هشام بن عروة بن الزبير ؟!
على أن ثَمّة مسألة مهمة في عِلْم مُصطلح الحديث ، وهي : تعرُض الجرح والتعديل ، وأيهما يُقدَّم !
وهذه يحتاج الصحفي إلى أن يَثني رُكبه ويعرف قدره ليتعلّمها !!
ثم إن رواية البخاري لِهشام أو لغيره يُعتبر توثيقا ضِمنيًِّا . وأنَّـى للصحفي أن يعرف ما هذه الألغاز !!
8 تخبّط الصحفي في " علوم الحديث " !
فهو يقول : ((هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينة المنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه)
فهو لا يعرف التدليس ليُعرِّفَه ! والصحفي أحقّ بأن يُوصف بالتدليس !
كما أن علماء الحديث قسّموا التدليس إلى طبقات ، كما صنع ابن حجر ، فقد قسّمها على خمس مراتب ، قال فيها :
الأولى : من لم يوصف بذلك إلاّ نادِرًا ، كيحيى بن سعيد الأنصاري .
الثانية : من احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح لإمامته وقِلّة تدليسه في جنب ما رَوى .
الثالثة : من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرّحوا فيه بالسماع ، ومنهم من ردّ حديثهم مُطلقا ، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي .
الرابعة : من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلاّ بما صرّحوا فيه بالسماع لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل ، كبقية بن الوليد .
الخامسة : مَن ضُعِّف بأمْر آخر سوى التدليس ، فحديثهم مردود ولو صرّحوا بالسماع إلا أن يُوثق من كان ضعفه يسيرا ، كابن لهيعة . اهـ .
وأما هشام بن عروة ، فقد قال فيه :
ابن حجر : ثقة فقيه ربما دلس .
وفي طبقات المدلِّسين قال عنه : هشام بن عروة بن الزبير بن العوام ، تابعي صغير مشهور ، ذَكَرَه بذلك أبو الحسن القطان ، وأنكره الذهبي وابن القطان . اهـ .
ولو افترضنا أن تدليس عروة من التدليس المردود لَكَان قد تُوبِع ، أي : أنه لم ينفرد بالرواية ، فلو افترضنا جَدَلاً - ضعف رواية عروة ، لكان غيره قد تابعة ، فتكون الرواية صحيحة من طريق أو مِن طُرُق أخرى !
وتقدّم أن الإمام مسلم رواه من طريق إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : تَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بِنْتُ سِتٍّ ، وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ .
ورواه أيضا من طريق مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ ، وَزُفَّتْ إِلَيْهِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَلُعَبُهَا مَعَهَا ، وَمَاتَ عَنْهَا وَهِيَ بِنْتُ ثَمَانَ عَشْرَةَ .
فالزهري قد تابَع هشامًا. وهي مُتابعة تامة .
والأسود تابَع عروة .
ويلزم الصحفي تضعيف عشرات الأحاديث في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم التي رواها عروة عن أبيه !
وهذه زَلَّـة مَن تكلَّم في غير فَـنِّـه !
9 - أحسب أنه ما حَمَل الصحفي على ما قاله وتورط فيه ! إلاّ إرضاء للغرب ! حينما تَعَالتْ صيحات بعض سُفهائهم ! وتكلّموا في مقام نبينا صلى الله عليه وسلم بسبب زواجه مِن عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة !
وهم قد طعنوا في ديننا ، فقد طعنوا في كتاب ربنا وفي سُنة نبينا وفي شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم ، فهل نترك ديننا إرضاء للغرب ؟!!
وقد طعنوا في كتاب ربنا حينما وقفوا على ذِكر عِدّة الصغيرة !
وسبق الجواب عن ذلك هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.phpt=73812
والصحفي قد فَجَّج العبارة ، وقلّ أدبه مع العلماء ، فلو كان ما قاله حقًّا لكان أوْلى بالرّد لفضاضة أسلوب كاتبه ، كيف وهو مُتضمّن لِمغالطات وأخطاء ، فكان هو أولى بالتخطئة ، وأحقّ بالتكذيب !!
والله تعالى أعلم .